الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:35 AM
الظهر 11:23 AM
العصر 2:25 PM
المغرب 4:53 PM
العشاء 6:09 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

التعميم الإسرائيلي والسياسات الأمريكية ضد الصين: صراع التكنولوجيا العالمي والعالم العربي بين المطرقة والسندان

الكاتب: بسام زكارنه 

في خطوة تعبّر عن عمق التبعية للسياسات الأمريكية أصدر الجيش الإسرائيلي مؤخراً تعميماً يطالب ضباطه وجنوده بجمع المركبات الصينية الصنع بحجة “المخاوف الأمنية” من أنظمة الكاميرات وأجهزة الاستشعار الذكية  وكان الصين عدو تستهدفهم ، غير أن خلف هذا القرار ما هو أعمق من الذرائع التقنية فهو انعكاس مباشر للضغوط الأمريكية المتصاعدة التي تستهدف إقصاء الصين من المشهد التكنولوجي العالمي وتثبيت الهيمنة الغربية على مفاتيح الابتكار والمعرفة.

الولايات المتحدة تبرّر كل تحركاتها تحت لافتة “الأمن القومي” لكنها في الواقع تخوض حرباً  باردة جديدة لا هدف لها سوى الحفاظ على تفوقها وإبطاء صعود الصين. واشنطن لا ترى في الصين منافساً في ميدان التطور الطبيعي بل خصماً  يجب تطويقه وإضعافه لذلك تفرض القيود على تصدير التكنولوجيا وتمنع التعاون مع الشركات الصينية وتمارس ضغوطاً اقتصادية وسياسية على حلفائها لإجبارهم على السير في فلكها حتى وإن كان ذلك على حساب سيادتهم ومصالحهم وما التعميم الإسرائيلي الأخير إلا صورة مصغّرة من هذه السياسة التي حولت القرار الإسرائيلي من فعل سيادي إلى استجابة مباشرة لإملاءات واشنطن.

على مدى عقود تعاملت الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط بالمنطق ذاته الذي تواجه به الصين اليوم: السيطرة عبر الهيمنة لا عبر الشراكة تحت شعار “الديمقراطية” و“حقوق الإنسان” دعمت أنظمة فاسدة وحمت ديكتاتوريات وأبقت شعوب المنطقة أسيرة الفقر والاعتماد الكامل على الغرب و نهبت الثروات ورعت الحروب وضمنت استمرار تدفق النفط والموارد إلى أسواقها و بالسعر الذي تريده فيما بقيت دول المنطقة العربية و الاسلامية تدور في فلك الحاجة والتبعية.

في المقابل سلكت الصين طريقاً مختلفاً لم تنخرط في شعارات التبشير السياسي أو في فرض الأجندات بل ركّزت على بناء منظومتها الذاتية المستقلة متجاوزة العقوبات والقيود بخطة طويلة المدى تجمع بين التطور العلمي والانفتاح الاقتصادي و استثمرت في التعليم والبحث والطاقة النظيفة والتكنولوجيا الفائقة وبنت نموذجاً يقوم على الكفاءة والإنتاج الحقيقي هذا النهج جعلها تطرح نفسها في الساحة الدولية بوصفها قوة تصنع التنمية لا الهيمنة .

السياسة الصينية تقوم على مبدأ المنفعة المتبادلة و المصير المشترك للبشرية جمعاء دون شروط سياسية أو تدخل في الشؤون الداخلية للدول ولذلك حازت على ثقة كثير من الشعوب والحكومات لأنها تقدم نموذجاً عملياً لشراكة متوازنة قائمة على المصالح لا على الإملاءات كما أن المنتجات الصينية لم تعد كما كانت تُصوَّرها أمريكا و الغرب  : اليوم في ظل عالم مفتوح ظهر انها سلع متقدمة وفعّالة عالية الجودة وبأسعار عادلة تنافس نظيراتها الغربية وتتفوق عليها في الأداء والتكلفة ما يجعلها الخيار الطبيعي للدول التي تبحث عن تنمية حقيقية لا عن ديون ومساعدات مشروطة.

الشرق الأوسط يقف اليوم في قلب هذا الصراع التكنولوجي والاقتصادي العالمي فبينما تسعى واشنطن إلى إحكام قبضتها على الممرات البحرية وموارد الطاقة والأسواق لخنق الصين و الحد من تقدمها تعمل الصين بهدوء وذكاء على مدّ جسور التعاون من خلال مبادرة “الحزام والطريق” التي تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا عبر مشاريع عملاقة في البنية التحتية والطاقة والتجارة هذه المبادرة لا تسعى لاحتكار النفوذ بل لخلق شبكة مصالح مشتركة تضمن لجميع الأطراف التنمية والاستقرار.

على الدول العربية أن تدرك أن التحالف الأعمى مع واشنطن لم يعد يجلب أمناً ولا ازدهاراً بل استمراراً لحالة الارتهان و التبعية للغرب المستعمر ، العقود الماضية أثبتت أن الولايات المتحدة لا تمنح حلفاءها سوى الحماية الوهمية مقابل التبعية فيما تبقيهم بعيدين عن التكنولوجيا المتقدمة ومصادر الإنتاج الحقيقي و تنهب مدخراتهم و مواردهم الطبيعية في المقابل تمثل الصين اليوم فرصة تاريخية للعرب لبناء نموذج جديد قائم على التعاون لا الخضوع وعلى نقل المعرفة لا احتكارها.

الانفتاح العربي على الصين ليس مجرد خيار سياسي بل ضرورة اقتصادية واستراتيجية فالشراكة مع بكين تعني الوصول إلى تكنولوجيا متقدمة بأسعار معقولة واستثمارات حقيقية في البنية التحتية وفرص تطوير في مجالات الطاقة المتجددة والصناعة المحلية ، الصين لا تفرض إملاءات سياسية بل تقدم خبرتها مقابل شراكة متكافئة تضمن مصالح الطرفين.

على الصين بدورها أن تنظر إلى الشرق الأوسط ليس فقط كسوق استهلاكية بل كمنطقة استراتيجية محورية في إعادة تشكيل النظام الدولي فالحضور الصيني الفاعل في المنطقة سيمنحها عمقاً سياسياً  واقتصادياً يوازن الهيمنة الأمريكية ويخلق مساراً  جديداً للتنمية العالمية ولتحقيق ذلك تحتاج بكين إلى تعزيز استثماراتها في التكنولوجيا والطاقة والنقل وإلى تفعيل قوتها الدبلوماسية والإعلامية لتوضيح رؤيتها للعالم القائم على التعاون والاحترام المتبادل ومواجهة الروايات الغربية التي تسعى لتشويه صورتها.

العالم اليوم يقف على أعتاب نظام جديد تتغير فيه موازين القوى ، الولايات المتحدة تحاول بكل الوسائل الحفاظ على امتيازاتها التاريخية حتى وإن كان ذلك على حساب استقرار العالم أما الصين فهي تتقدم بخطى ثابتة نحو نموذج أكثر عدلاً وتوازنا وفي خضم هذا التحول يمتلك الشرق الأوسط فرصة نادرة للانحياز إلى المستقبل لا إلى الماضي إلى شريك ينتج لا ينهب ويحترم لا يهيمن ويُشارك لا يُملي.

الصين ليست بديلاً أيديولوجياً للغرب بل خيار استراتيجي لمن يريد أن يصنع تنميته بيده والرهان عليها ليس مغامرة بل قراءة واقعية لمن يمسك بزمام الغد فالعالم يتغيّر ومن لا يواكب هذا التحول سيجد نفسه في الهامش بينما تصنع القوى الصاعدة ملامح المستقبل.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...