الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:04 AM
الظهر 11:34 AM
العصر 2:18 PM
المغرب 4:43 PM
العشاء 6:03 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

يوم المعلم الفلسطيني: حكاية الوفاء ومسؤولية القدوة

الكاتب: ياسر أبوبكر

بمجرد أن قرأت أن اليوم هو الرابع عشر من كانون الأول، يوم المعلم الفلسطيني، بدأ شريط الذكريات يمرّ أمامي دون استئذان. وجوهٌ أعرفها أكثر مما أعرف تواريخ كثيرة ، معلمون صنعوا المعنى قبل أن يصنعوا الدرس. من مقاعد مدرستي في الكويت، حيث تعلّمت الحرف الأول ومعنى الانضباط، إلى جامعتي الحبيبة جامعة النجاح الوطنية، حيث تعلّمت كيف أفكّر وأسأل وأختلف باحترام. لهم جميعًا أرفع التحية، وأخصّهم بالشكر والامتنان. ولا أنسى، قبل كل هؤلاء، معلمي الأول، المناضل الذي لم يكتب اسمه في شهادة، لكنه كتبه في الوعي: والدي.
يوم المعلم الفلسطيني هو ذكرى انتصار مهني -وطني، حين واجه المعلمون في سبعينيات القرن الماضي محاولات الاحتلال تطويع التعليم وكسر استقلاله، فدفعوا ثمنًا من حريتهم ووظائفهم وأمانهم، وانتزعوا حقهم في أن يكون التعليم الفلسطيني تعبيرًا عن شعبه لا أداة بيد جلاده.
يوم المعلم الفلسطيني ليس مناسبة عادية، لأنه ليس معلمًا عاديًا. هو معلم يعمل في ظل احتلال، وفي بيئة مأزومة، وتحت ضغط اقتصادي ونفسي هائل، ومع ذلك ظلّ، عبر عقود طويلة، عنوانًا للثبات وحارسًا للوعي. لم يكن يومًا ناقل معرفة فقط، بل كان مربّيًا، ومرشدًا، وطنيًا بصمت، وصانع أجيال في زمنٍ يحاول فيه الآخرون تدمير الإنسان من جذوره.
تمجيد المعلم الفلسطيني ليس مجاملة، بل توصيف دقيق لدوره. هذا المعلم الذي يدخل الصف وهو يحمل همّ بيته، وقلق راتبه، وخوف وطنه، ثم يخلع كل ذلك على باب الصف ليمنح طلابه الأمل والمعرفة. هو من علّم أبناءنا أن فلسطين ليست قصة حزن فقط، بل فكرة صمود ومستقبل.
ومع هذا التمجيد الصادق، لا بد من كلمة مسؤولة تُقال بمحبة لا بتجريح:
على المعلم الفلسطيني، رغم قسوة الظروف التي يمرّ بها هو وشعبه، ألا يسمح للأزمة بأن تجعله عائقًا أمام خلق جيلٍ متعلمٍ وواعٍ. فالأخطر من الفقر، هو الجهل، والأخطر من انقطاع الراتب، هو انقطاع المعرفة. لا يليق بمعلم فلسطين أن يتحول – ولو دون قصد – إلى سبب في كسر حلم طفل أو تعطيل مساره التعليمي.
نعم، المعلم مظلوم، ومطالبه محقّة، وأزمته حقيقية. لكن القدوة التي عرفناها منه عبر السنين تقتضي أن يبقى ثابتًا في موقعه، وأن يقول “لا” واضحة لكل ما يهدد تعليم أطفالنا. لا لتدمير العملية التعليمية، لا لتسليم أبنائنا للفراغ، ولا لترك المدرسة تسقط تحت وطأة الإحباط.
المعلم الفلسطيني المطلوب اليوم هو ذاك الذي يجمع بين الحق والصبر، بين المطالبة والالتزام، بين الغضب المشروع والوعي العميق بخطورة المرحلة. هو معلم يدرك أن الصف الدراسي، في فلسطين، خط دفاع وطني، وأن الكلمة التي يقولها اليوم قد تصنع قائدًا، أو مثقفًا، أو إنسانًا حرًا غدًا.
وفي المقابل، فإن تمجيد المعلم لا يكتمل دون تحميل أصحاب القرار مسؤولياتهم كاملة. فالقدوة لا تُستنزف إلى ما لا نهاية، والصمود لا يُطلب بلا أفق. إنصاف المعلم، وحماية كرامته، وضمان استقراره، واجب وطني لا يقل أهمية عن أي خطاب سياسي.

في يوم المعلم الفلسطيني، ننحني احترامًا لمن علّمونا كيف نقف.
ونخاطب معلمينا بمحبة وصدق: ابقوا كما عرفناكم، حراسًا للوعي، وصنّاع أمل، وقدوةً لا تنكسر، لأنكم آخر ما تبقّى لأطفالنا في زمن القسوة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...