الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:04 AM
الظهر 11:34 AM
العصر 2:19 PM
المغرب 4:43 PM
العشاء 6:03 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

على العالم ألا يسمح باستثمار عملية بونداي المدانة لفك عزلة إسرائيل

الكاتب: د. محمد عودة

أحيانًا، ونتاج تعدد التجارب، يشعر الإنسان بأن الكثير من الأحداث التي تخدم مشروعًا ما ليست بريئة. فالمآسي ليست أحداثًا عابرة تمر دون أن تترك بصمة واضحة أو جرحًا عميقًا. هناك من يعرف كيف يستفيد منها، ويحوّل الألم إلى أداة، والخطر إلى مصلحة سياسية. الحركة الصهيونية لم تصنع كل هذه الأحداث بنفسها، ربما صنع بعضها أدوات غير صهيونية، سواء بعلمها أم بغيره، لكن الحركة الصهيونية في كل الحالات نجحت في استثمارها. من الواضح أن هناك من يخطط كيف يمكن توظيف الأحداث لخدمة مشروعه الاستعماري، بغض النظر عن من يقف وراء تلك الأحداث.

من الأحداث التي تورطت فيها الحركة الصهيونية تلك البواخر التي عبرت البحر؛ يهود يبحرون إلى فلسطين على سفن مثل Struma، Patria، وMV Mefküre. تلك السفن غالبًا لم تكن صالحة للملاحة، بعض الرحلات شهدت أعطالًا ومخاطر حقيقية، وكثيرون لقوا حتفهم أو أصيبوا أثناء الرحلة. هناك يد خفية حولت هذه الأحداث لتصبح سببًا في تعاطف العالم مع هجرة اليهود إلى أرض الميعاد، تحقيقًا للمشروع الاستعماري. هنا تظهر عبقرية الاستعمار في تحويل الألم البشري إلى مشروع سياسي.

إن الاستعمار الذي صنع مآسي اليهود في أوروبا لا يمكن أن يكون هدفه حماية هؤلاء اليهود. فالاضطهاد الذي تعرض له اليهود كان بغرض التخلص منهم عبر تهجيرهم، ليشكلوا أعمدة إنشاء دولة لليهود في قلب فلسطين، تحقيقًا لمشروعهم الاستعماري الذي يهدف إلى منع وحدة المنطقة، إضافة إلى السيطرة على مقدراتها. لم يكن الاستعمار يابه للمعاناة الإنسانية الناتجة عن اقتلاع اليهود من أوطانهم الأصلية. فمن يقيم وطنًا يهوديًا على أرض مأهولة بالسكان يتسبب في معاناة مزدوجة: معاناة المهجرين اليهود ومعاناة أهل البلاد الأصليين.

لقد جاءت عمليات الفرهود في بغداد عام 1941، التي استهدفت اليهود وعرضتهم للاعتداءات. ثبت لاحقًا أن وراءها الحركة الصهيونية. لقد تعرض اليهود على يد أبناء دينهم للنهب، وتخريب الممتلكات، وأحيانًا كثيرة إلى القتل في العاصمة العراقية. عشرات القتلى، ومئات المصابين، ومئات العائلات تُشرد. لقد استُخدمت عملية الفرهود لاحقًا لتبرير الهجرة الجماعية إلى فلسطين.

أما في مصر، فقد نفذت شبكة صهيونية ما عرف بعملية لافون عام 1954، حيث فُجرت مبانٍ حكومية ومواقع استراتيجية في القاهرة والإسكندرية. كان الهدف واضحًا: خلق فوضى سياسية داخل مصر، تهيئة المناخ للهجرة اليهودية، وإضعاف أي معارضة محتملة للمشروع الصهيوني في المنطقة، إضافة إلى تعطيل التقارب المصري–الأمريكي. هذا الحدث مثبت في السجلات التاريخية، وهو مثال واضح على ممارسة واستثمار العنف الممنهج لتحقيق أهداف سياسية، حتى لو لم تكن الغاية الأولى إشعال العنف بحد ذاته.

دليل آخر يؤكد على وقوف الحركة الصهيونية خلف أحداث كثيرة مثل تفجير سفينة المهاجرين اليهود Patria في حيفا أثناء محاولة تفريغ الركاب في نوفمبر 1940. أسفرت الحادثة عن مقتل نحو 260–300 شخص، معظمهم من النساء والأطفال اليهود، إلى جانب إصابات كثيرة. فرغم اعتراف من أسهموا في عملية التفجير، تقول الرواية الرسمية: “لم يكن القتل مقصودًا”. لكن الحدث استُثمر إعلاميًا وسياسيًا لتأكيد ضرورة وجود دولة يهودية آمنة، وتعزيز الهجرة اليهودية إلى فلسطين. مرة أخرى، مأساة مفتعلة يحوّلها من فعلها إلى أداة استراتيجية لدعم المشروع الاستعماري في فلسطين.

في حالات أخرى مثل سفينة Exodus 1947، التي حملت أكثر من 4,500 لاجئ يهودي ولم يتم السماح لها بالرسو في فلسطين، تحولت القصة نفسها إلى حدث عالمي ضخم في الإعلام، وأصبحت مادة ضغط لصالح الصهيونية، إذ عززت التعاطف الدولي الذي روج إلى وجود حاجة ملحة لإيجاد وطن آمن لليهود، نفي الحقيقة يلبي رغبات الاستعمار.

المفارقة التاريخية تكمن أيضًا في ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، الذي كان ملحدًا ولم يكن مؤمنًا بالبعد الديني للأرض الموعودة، لكنه استخدم فكرة “أرض الميعاد” الواردة في نصوص دينية مشكوك في صحتها، والتي تشكل رمزًا دينيًا عميقًا في الوعي المصطنع، كأداة سياسية لتعبئة الجماهير والحصول على الدعم الدولي. هرتزل كان يريد اندماج اليهود في مجتمعاتهم، بينما المشروع نفسه استند لاحقًا إلى سردية دينية قوية لتبرير الهجرة والسيطرة على الأرض. هذا التناقض يكشف عن طبيعة الصهيونية السياسية، التي عملت ولا زالت على استخدام الدين لتحقيق أهداف استعمارية استراتيجية، دون أن يكون الدين نفسه هو المحرك الأساسي.

بعيدًا عن فلسطين، جاء الحادي عشر من سبتمبر 2001، مأساة جماعية هائلة، استخدمت لضبط السياسة الدولية، إعادة رسم التحالفات، وتحريك الرأي العام العالمي، تبرير مخططات الاستعمار بحجة محاربة الإرهاب. هذا الحدث لم يكن مرتبطًا بشكل مباشر بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فالهدف ليس ببعيد عن هذا الصراع، لكنه يؤسس لنوع جديد من الهيمنة على المنطقة، مأساة تتحول إلى أداة سياسية، استثمار ألم الضحايا لتحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى، بما فيها تعزيز التوجهات الصهيونية في السياسة الدولية. تلك الأحداث بررت غزو العراق وأفغانستان وبث الفوضى في المنطقة حتى يستثمرها الاستعمار للسيطرة على المقدرات ولتوظيفها في محاربة الخصوم.

الخط الواضح الذي يمكن ملاحظته عبر هذه الأحداث جميعها هو افتعال مأساة تتعلق باليهود، أو استغلال مأساة موجودة، ثم تحويلها إلى أداة لدعم الهجرة، مما يؤدي إلى تعديل الميزان الديموغرافي لصالح يهودية الدولة، وحشد الدعم السياسي الدولي. الحركة الصهيونية أثبتت عبر التاريخ أنها تعرف جيدًا كيفية الاستفادة من الأحداث الكبرى، سواء كانت مشاركة في صنعها أو لم تكن.

ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا هو أن هذه الأحداث لا تُستغل فقط داخليًا، بل تمتد لتشمل السياسة الدولية، الإعلام العالمي، والرأي العام. حادثة الهجوم على اليهود المحتفلين بالحانوكاة في أستراليا أو أي هجوم معادٍ لليهود يمكن أن تصبح أداة لإعادة ضبط السردية الدولية حول فلسطين، بما يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر، ويضمن تخفيف عزلة الكيان، وفرملة الاعترافات المتزايدة بالدولة الفلسطينية. إنها رسالة ضمنية: دعم الفلسطينيين ليس مجرد قضية أخلاقية، بل قرار سياسي ذو كلفة محتملة، ويجب أن يُحسب بعناية.

التاريخ يعيد نفسه. المأساة تتحول إلى فرصة، الألم إلى أداة، والخوف إلى رسالة. الحركة الصهيونية تعلم هذا جيدًا، سواء صنعت الحدث أم استغلت تداعياته لاحقًا. المهم أنها تعرف كيف تحول دم الضحايا إلى دعم للهجرة، ولتثبيت مشروعها الديموغرافي والسياسي، وكيف تُوظَّف الصور والأصوات لاحقًا في الإعلام والسياسة الدولية.

قد يبدو هذا كله مجرد إحساس، لكن رائحة المؤامرة تبقى قوية، بين الظن واليقين، بين المأساة واستثمارها، وبين المشروع الاستعماري للصهيونية والتناقض الفكري لهرتزل، تظل الحقيقة الهشة واضحة، لا نبررسفك دماء الابرياء بغض النظر عن معتقداتهم، ولا نغسل أيدينا من التاريخ، لكن علينا أن نقرأ التاريخ جيداً، وأن نميز بين الضحية والمستفيد، بين الألم واستثماره،فالحركات الاستعمارية وأدواتها يؤمنون بأن الغاية تبرر الوسيلة،لذلك فان على المجتمع الدولي عدم الانجرار وراء ما يسمى بمعاداة السامية، فالعداء للاحتلال ليس معاداة للسامية ولا للاديان.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...