الشبيبة قدرة وتمرّد وانطلاق
الكاتب: بكر أبوبكر
كتبنا عن الشبيبة وتستكمل حيث كثرُ الكلام هذه الأيام عن الشبيبة أو الشباب والطلبة وذلك لقيام حركة التحرير الوطني الفلسطيني"فتح" بعقد المؤتمر العام للشبيبة، الذي طال انتظاره.
إن الطلبة والشبيبة طاقةٌ مشتعلة وقدرة وانطلاق لا يجب أن يتم ترويضها، بل إن لها في مساحتها كل الحق أن تخوض تجربتها الفكرية والأخلاقية والعملية فتقرأ كثيرًا، وتتثقف وتتعلم من الكتاب، ومن ممارسة الواقع معًا بتحقيق الانجازات، وإن لها أن تعبّر عن مواقفها في إطار الوعي والفهم العميق للثقافة الحركية الواسعة والمنفتحة وفي إطار شديد الاحترام لمن سبقوهم، وأتاحوا لهم هذه المساحة الرحبة على عكس تنظيمات الانصياع الأعمى والولاء الفكراني (الأيديولوجي) التي تقبض على عنق الشخص فتهدّده بالدين والويل والثبور وعظائم الأمور حين مخالفة القائد.
لن تكون حركة فتح مدرسة ظلامية تحجب الحقيقة، ولا تمنع التنوع في التعبير عن ذات الموقف بحيث يأخذ بُعده الواقعي أو المثالي، فكليهما يقعان تحت ذات النطاق فالواقعي يفهم الموقف في ظل القدرات القائمة والمعسكرات والامكانيات وتقدير الموقف حسب المُتاح، بينما الطموح أو المثالي يقدر الأمور باعتبار ما سيكون، باعتبار مقدار ما سيُحدثه هو بالمستقبل، فينفلت من عقال الواقع ليجد في تعبيراته أشد العبارات (المحترمة) في الاختلاف ومحاولة إثبات وجهة النظر وتحقيقها بالدليل والحجّة، وبما يمثل حقيقة فكر وثقافة الحركة الوسطية المعتدلة من جهة، لكنها المقاومة والثورية الكفاحية بمنطق إزالة الاحتلال والمظالم والانتصار للبرنامج السياسي والنظام الداخلي باعتبارهما مع الأدبيات الدليل المرشد وليس قول فلان أو علان من قادة الحركة، متى كان عن المُرشد قد حاد.
من التجربة الطلابية، وخالد الحسن
نعم إن مرحلة الشباب والطلاب مختلفة عما يلحقها من مراحل لأن فيها روح الطموح والثورة والتمرد وفيها الكثير من الأسئلة والبحث المحموم عن الاجابات، وفيها الجنوح نحو المعارضة، وربما العمل يسبق الفكرة والتضحية تسبق النظر بالنتائج، والرغبة بالنتيجة الحالية أكثر منها مستقبلًا، لذلك كانت الثورات تنطلق على أكتاف الشباب وهو ما حصل في معظم ثورات العالم (الفيتنامية والكوبية والروسية والمصرية والتونسية والجزائرية والصينية، والايرلندية، والفلسطينية...)، حيث قاد الرواد الشباب وفجروا الانطلاقة وخاضوا الصِعاب وساروا في درب الأشواك، وطوّروا في أدائهم، والفكر عبر الممارسة، كما في النظر والوسائل، ثم سلموا الراية لمن تلاهم شريفة نظيفة ليكملوا الطريق.
في إطار التمرد كنتُ في المرحلة الجامعية أترأس اتحاد الطلاب الفلسطيني (في جامعة الكويت) وفي مواجهة الفكر الصهيوني أو بمواجهة الأفكار العربية والفلسطينية المتواطئة التي تُضعّف منه كتناقض رئيس، وتقلل من شأنه وتشن هجومها على منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح وكأنها هي العدو، كنتُ وكنا نخوض مواجهة لا هوادة فيها ضد أصحاب الفكرالإسلاموي الإقصائي للغير، والحصري لذاته وهو الذي يفترض بنفسه "الإسلامية" والقداسة لمجرد أنه يدعي ذلك نازعًا الإسلامية عمّن سواه!؟ او بمواجهة أصحاب الفكر اليساري المتطرف المفرط بألقاب التقدمية واليسار واليمين الرائجة آنذاك، ليلقي بوجهنا وصف اليمين والرجعية وكأننا في خندق الأعداء! فكان أن لجأنا للأخ المفكر الكبير الأخ خالد الحسن "أبوالسعيد" لنحل معضلة الإسلامية والرجعية والتقدمية واليمين واليسار! وكل هذه الأوصاف فقال لنا: لا تنحدروا لمستنقع الاتهام والتشاتم والبذاءة، ولستم معنيين بتبني مصطلحاتهم تلك قط. وردّدوا معي الدعاء التالي: "اللهم اجعلنا من أهل اليسار في الدنيا ومن أهل اليمين في الآخرة" فأصبحنا يسار ويمين معًا! وما للعبارة العظيمة والموجزة والصريحة والواضحة من دلالة رمزية أننا صانعو مصطلحاتنا، لا ننحني تحت ضغط مصطلحات الأخرين التي تصنف الناس أوتتهمهم وتنبذهم. لقد أشار "أبوالسعيد" لليسار بالمعنى السياسي بطرف خفي لكنه أعطاه بُعده العربي اللغوي الجميل كما اليمين، حيث اليسار في عبارته هنا هو اليُسر والغني أي غني النفس والروح والمال، وحيث أهل اليمين هم الذين يدخلون الجنة كما بالآية الكريمة من سورة الحاقة "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ..." لتقرر الآية النتيجة "فهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ". وما قال إننا لا أهل اليسار ولا أهل اليمين فيقع في دائرة التصنيف والإقصاء للآخرين، ولكن طلب الدعوة لله أن نكون الحالتين، فتعلمنا ألا نكون أسرى شعارات الآخرين وتصنيفاتهم ما دامت الثقة بالله سبحانه، وفلسطين والمؤسسة التي ننتمي اليها لا تزول. (يتبع)

