إغناء خطة ترامب بما ينقصها

2025-10-20 10:32:59

دعونا نعترف، خطة ترامب لا تعد بدولة فلسطينية، ولا ترحب أيضاً بدور واضح للسلطة الوطنية الفلسطينية، ولا تضمن أي من نقاطها العشرين، أكثر من ذلك، فإن هذه الخطة لا تملك مرجعيات دولية ولا معايير أممية يمكن الاحتكام إليها أو الرجوع إلى نصوص قانونية ملزمة فيها، فهي خطة قابلة للتفسير كلٌ حسب فهمه ومصالحه وظروفه، وهي خطة – فضلاً عن كل ما سبق – تكسر عزلة إسرائيل وتبرؤها من دم الفلسطينيين ومن ضرورة تعويضهم للخسارات العظيمة التي لحقت بهم، خسارة تحتاج إلى سنوات عديدة لتعويضها، خطه ترامب تُخرج إسرائيل من أزمتها وعزلتها، وتقدمها للعالم وكأنها المنتصرة على جحافل الشر والظلام.

يمكن القول إن هذه الخطة تحاول إنقاذ نتنياهو شخصياً وإعادة تلميعه وتقديمه لإسرائيل بطلاً استطاع أن يقود كيانه في أشد اللحظات صعوبة، وهي خطة ترامب الذي التقط الإشارات جيداً بضرورة فرض الخطة على الجميع، كان طرح الخطة بوقتها وبمضمونها ضروري جداً، وقد قيل في ذلك الكثير، ولا أريد أن أُكرره، ولكني في هذه العجالة أريد أن أُركز على مسالتين هامتين في هذا الصدد، وهما، أولاً: إن هذه الخطة التي لا تتحدث عن حل الدولتين ولا تعد بها، وإن فعلت فهي تشترط اصلاحات وتطويرات لا يمكن معرفة مدى النجاح فيها ما دام من يقرر جودتها أو تقدمها هم الإسرائيليون، وها هي ثلاثون سنة مضت على اتفاق أُوسلو وفي نهايتها حصلت السلطة الفلسطينية على تقدير "راسب" بامتياز.

إسرائيل ترفض عودة السلطة الوطنية إلى القطاع بحجة أنها ضعيفة وفاسدة وتدعم الإرهاب في مناهجها المدرسية، أما خطة ترامب، فهي لا ترحب بتلك العودة على الأقل، والسؤال الذي يجب طرحه هنا: لماذا سارعت الدول التي طرحت مبادرة حل الدولتين وحشدت من أجلها معظم أعضاء الهيئة العامة للأمم المتحدة؟ لماذا وافقت تلك الدول، في مجموعها، على خطة لا تضمن الدولة ولا تطرح حلاً واضحاً مؤسساً على القرارات الدولية؟

ثانياً: ألا يمكن اعتبار خطة ترامب أنها خطة من أجل اعتراض حل الدولتين وتحويله إلى مجرد وقف دائم – إذا حصل – لإطلاق النار؟ ألا تعتبر هذه الخطة والانشغال بها تطبيقاً وتفسيراً وتحشيداً سيشتت الجهود ويبعثر الاجماع الدولي لإقامة دولة فلسطينية؟ لماذا قيل إن الرؤية السعودية والفرنسية تتقاطع بشكل ما مع خطة ترامب؟ ولهذا وجب التعاطي بإيجابية مع تلك الخطة؟ الحقيقة إن هناك تقاطع في الآليات ولكن ليس في الأُطر العامة، الرؤية السعودية الفرنسية تتحدث عن إقامة دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة، تتضمن الضفة وغزة والقدس المحتلة، ضمن آليات مفصلة، فيما خطة ترامب لا تذكر ذلك إطلاقاً.

يجب القول إن الرؤية السعودية الفرنسية لا تملك آليات فعلية لفرض تلك الرؤية، بل تعتمد على آليات سياسية وقانونية ودبلوماسية طويلة المدى، وقد يمضي وقت طويل دون تحقيق أي إنجاز في هذا المسار، وقد تستغل إسرائيل ذلك في تغيير الواقع وفرض الوقائع في الضفة والقطاع والقدس، أما خطة ترامب فهي تملك الآليات لفرض ما جاء فيها وتطبيق كل نقاطها نقطة نقطة إذا أرادت، ويبدو أن ذلك ما أجبر كل الدول أن توافق على هذه الخطة، فليس هناك من بديل آني، وليس هناك من قوة قادرة على وقف الفظائع في القطاع، وليس هناك من يستطيع أن يوقف ذلك العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، ذلك أن تلك الحرب، إن كان صحيحاً تسميتها حرباً، محرجة ومكلفة وتنذر بتغييرات حقيقية نتوقعها ولا نتوقعها، أصبحت حرباً لا تغير الإسرائيليين والفلسطينيين، وإنما تغير العالم فعلاً، دون مبالغة أو تضخيم.

خطه ترامب، يدرك واضعوها أنهم يعترضون حل الدولتين، وأنهم سيؤخرون الكلام فيه سنوات كثيرة، وأكثر من ذلك، فإن واضعي هذه الخطة يعرفون أيضاً أنهم يقولون للجميع، هنا في المنطقة والعالم، إن أوراق حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بيد أمريكا، وقد تكون أمريكا ضعفت أو تراجعت، وقد تكون تعاني شروخاً داخلية وانقسامات فعلية، ولكنها ككل امبراطورية، تحتاج إلى عقود أخرى للانهيار أو التفكك.

خطه ترامب هي الخطة العملية والقادرة على وقف النزيف، وعلى مواجهة الأطماع الإسرائيلية بالتوسع غير المحسوب واستخدام القوة المفرطة وارتكاب كل الأخطاء من أجل استعادة كل ما فقدته، هذه الخطة تقدم لإسرائيل معظم ما تريده دون كثير من الأخطاء.

أليس من الضروري أن تبقى تلك الدول، التي عملت جاهدة من أجل حل الدولتين، مصرة على رؤيتها وأن تضغط من أجلها ومن أجل تطبيقها؟ برأيي أن هذا هو ما يجب فعله، بمعنى أن يكون هناك عمل كثير وحثيث من أجل حفر مكان واضح للسلطة الوطنية الفلسطينية من خلال توافق فلسطيني فلسطيني على أي وضع جديد في القطاع، وأن يكون هذا هو الأساس في كل القضايا والإشكاليات وذات الحساسية، مثل موضوع السلاح والإدارة الحكومية وتدفق المساعدات وإعادة هيكلة المنظمة والسلطة، إن السعودية وفرنسا وكل الدول التي عملت من أجل حل الدولتين مدعوة الآن إلى تصحيح خطة ترامب وإغنائها بما ينقصها وتفسيرها بما يخدم ذلك الحل.