المحرر محمود العارضة يروي لراية تفاصيل معركة النفق ورسائل الحرية
في لقاء استثنائي مؤثر عبر شبكة رايــة الإعلامية، استضافت الإعلامية نجوى الحمدان الأسير المحرر محمود العارضة، قائد عملية نفق الحرية في سجن جلبوع، وأحد أبرز رموز الحركة الأسيرة، الذي قضى أكثر من 32 عامًا في سجون الاحتلال، قبل أن ينال حريته في إطار صفقة تبادل الأسرى الأخيرة.
استهل العارضة حديثه بتوجيه التحية إلى الإعلام الفلسطيني الذي وصفه بأنه "نافذة الأسرى إلى الحياة"، قائلاً: "إذاعة راية كانت لنا نافذة الأمل، تصلنا من خلالها أصوات أهلنا، بعد عزلٍ طويلٍ وظروفٍ قاسية امتدت لسنوات."
وتحدث العارضة عن لحظة خروجه من السجن بعد عقود من الأسر قائلاً: "حين صعدت إلى الحافلة المصرية، شعرت أنني قفزت من العصور الوسطى إلى العصر الحديث في لحظة واحدة. خرجنا من ظلمة الزنازين إلى نور الحرية، كانت فرحتي لا توصف."
وأضاف أنه طوال سنوات العزل كان محرومًا من رؤية السماء أو استنشاق الهواء النقي، قائلاً: "كنت أقرأ القرآن من تحت الباب عبر ثقب صغير يدخل منه ضوء خافت. كنا نعيش في عزلة تامة، لا نرى الشمس ولا نعرف الليل من النهار."
رفض الإبعاد وتمسك بالبقاء في الوطن
وروى العارضة تفاصيل اللحظات التي تلت تحرره، معبرًا عن رفضه القاطع لقرار إبعاده عن فلسطين، مؤكدًا أن الإبعاد "جريمة أخرى بحق الذاكرة الفلسطينية".
وقال: "رفضت الخروج من فلسطين حتى لو بقيت فيها ساعة واحدة فقط. الاحتلال يريد تهجيرنا من أرضنا، لكننا لن نمنحه هذا الانتصار. أردت أن أثبت أن الفلسطيني لا يُكسر، وأن جذوره أعمق من أسلاك السجن وحدود الاحتلال."
وأشار إلى أن الإبعاد عن مسقط الرأس في بلدة عرابة كان مؤلمًا رغم فرحة الحرية، مضيفًا: "الإبعاد قسوة، لكنه لا ينتزع منّا انتماءنا. فلسطين تسكن في القلب، وأنا أعيش حُرًّا فيها ولو كنت بعيدًا عنها."
ذكريات السجن والجبال المفقودة
وعن تفاصيل حياته بعد التحرر، قال العارضة إن أكثر ما يفتقده في مصر هو طبيعة جبال الضفة الغربية، قائلاً: "أنا ابن الجبال، تربيت على النظر إلى التلال والوديان. هنا الأرض مستوية، فشعرت بالاختناق. قلت لهم: لا أعرف العيش بلا جبال ولا أشجار، هذه روحي."
وأضاف ضاحكًا: "حتى في البوسطة كنت أطلب الجلوس عند الشباك، لأن عيوني يجب أن تبقى حرة، فخيالي لا يُقيد بالأسلاك."
تفاصيل نفق الحرية والرواية المنتظرة
وحول تفاصيل عملية الهروب الأسطورية من سجن جلبوع، التي نفذها هو وخمسة من رفاقه عام 2021، قال العارضة إن الحفر استمر تسعة أشهر في ظروف بالغة الصعوبة، مضيفًا: "النفق لم يكن مجرد طريق للهروب، بل طريقًا للكرامة والرسالة. كنا نعلم أننا نخوض معركة رمزية باسم كل الأسرى، لإثبات أن السجن لا يهزم الإرادة."
وأكد أنه كتب رواية توثق تفاصيل التجربة بعنوان "نفق الحرية"، تمتد بين 1000 و1200 صفحة، وتم تهريبها من داخل السجن، موضحًا: "الرواية جاهزة منذ ما قبل الحرب الأخيرة بشهر، لكنها لن تصدر الآن. لا أريد أن تُسرق الأضواء من غزة ومن قضية الأسرى الذين ما زالوا يعانون خلف القضبان."
الرسالة الأخيرة: الحرية قادمة
في ختام اللقاء، وجه العارضة رسالة مؤثرة إلى الشعب الفلسطيني والعربي عبر "رايـــة" قائلاً: "هم يملكون أجسادنا، لكنهم لا يملكون أرواحنا. لم يبكِ أسير واحد رغم التعذيب، لأننا أحرار في قلوبنا وفي ذاكرتنا. هذه الدماء التي تسيل اليوم في غزة لن تذهب هدرًا، وستجري في عروق الأمة في لحظة التحرير القريبة."
وختم حديثه بكلمات مؤثرة عن والدته التي انتظرته أكثر من ثلاثين عامًا: "أمي دعت الله أن أعود، وها أنا عدت باسمٍ وهبةٍ من دعائها. سماني محمود لأنها كانت تؤمن أن الحمد سبيل الفرج، وها هو الفرج قد جاء بحمد الله."
بهذا اللقاء، قدّم محمود العارضة شهادة إنسانية وتاريخية نادرة عن معنى الحرية، ليبقى اسمه محفورًا في الذاكرة الفلسطينية كرمزٍ للإصرار والإيمان بعد أكثر من ثلاثة عقود من الأسر، وتسعة أشهر من الحفر، ولحظة واحدة من الانتصار.