البلوجر المستوطن أبو طبلة
لم أكن قد رأيت فيديوهات البلوجر المستوطن يوني شارون الملقب بأبو طبلة عندما كتبت روايتي (الحياة كما ينبغي) التي صدرت عن دار الأهلية للتوزيع والنشر سنة 2022، ذلك أنني كتبت عن ضابط إسرائيلي يلاحق الفلسطينيين ولكنه يقلدهم في مأكله ومشربه، وهو يفعل ذلك ليس من موقع الدونية أو حتى الإعجاب، بل تعبيراً عن عقدة الذنب أو بسبب تلك العلاقة المعقّدة بين الجلاد والضحية، إذ أن هذه العلاقة من العمق والتشابك والألغاز ما يدهش حقاً، فالضحية وإن كانت تنبهر أو تتمثل جلادها فإن الجلاد أيضاً يؤسر بشكل ما داخل حدود الضحية، وهناك دراسات سيكولوجية بهذا للصدد تثير الإعجاب، والحقيقة أنني لم أعتمد على تلك الدراسات بقدر ما اعتمدت على نماذج حقيقية عرضها فلم وثائقي حول ذلك، المهم أنني لم أكن قد شاهدت فيديوهات البلوجر المستوطن يوني شارون الذي يلقب نفسه بأبو طبلة، وهو مستوطن ولد في مستوطنة بيت إيل شرق رام الله ويعيش في مستوطنة بيت إلداد جنوب القدس المحتلة ويتقن العربية بشكل ما ويقدّم نفسه على أنه "يطبل" في الحفلات المتنوعة، وهو يعيش في بيت فاخر مبني من الحجر على الطريقة العربية وبجوار البيت هناك مغارة محفورة في الصخر حفرها عمال فلسطينيون من تقّوع، حسب ما ذكره أبو طبلة خلال فيديو آخر نشره صديق له يدعى حنان.
هذا المستوطن يقدّم نفسه في فيديوهاته بشخصية اليهودي الفلسطيني، أو اليهودي الذي يريد الائتلاف والاندماج ليبدو جزءاً أصيلاً من المشهد، يقدّم هذا الرجل نفسه باعتباره قد فهم روح المكان بتقشّفه وبساطته وصحبته للحمير والأغنام، وبلغته العربية المخلوطة بالعبرية أو العكس تماماً، يقدّم نفسه باعتباره قد وجد الحل لهذا الصراع المستمر والمتواصل، فهو يقول في تقرير بُثَّ على شاشة مكان أن الطريقة المثلى هي "فهم عقلية العرب"، وما هي عقلية العرب يا هذا؟! وجواب هذا البلوجر المستوطن هو أن العرب مجموعة من الحمائل ويجب التصرف معهم على هذا الأساس، ويسترسل أبو طبلة بلغة عربية يريدها أن تشبه طريقة الفلسطينيين عندما يتحدّثون العبرية أن فهم طريقة العرب في الحياة هي الأساس في التعامل معهم.
وبهذا فهو يقدّم ترجمة فعلية – تبدو عفوية وبريئة – لآخر طبعات الاستشراق، فالحل يقوم على فهم العقلية وليس على إزالة الاحتلال مثلاً، والفكر الحمائلي سيتعايش مع الاستيطان والاستعمار، واحترام التقاليد واتقان اللغة المحلية كفيلان بتقديم صورة إنسانية عن المستوطن، وتقديم نفسه باعتباره الفنان الكوميديان والإنسان الذي سينزع عنه صورة العنف والسيطرة والإرهاب وإخفاء أكثر من ثلاثمائة هجوم استيطاني على حقول الفلسطينيين في أكتوبر الماضي، وأبو طلة، عن قصد أو بدونه، عن وعي مسبق أو غيره، يقدّم ترفيهاً مسموماً في الحقيقة، فهو فضلاً عن
كونه مستوطناً يعيش في أرض محتلة، فإنه متدين أيضاً وصاحب محتوى سياسي موجه للشعب الفلسطيني وللجمهور الإسرائيلي كذلك، فهو يستخدم شخصية الرئيس محمود عباس ويصوّره باعتباره لا يريد دولة فلسطينية، بل يريد أن يسلّم كل شيء لنتنياهو، ويبالغ المستوطن كثيراً في استغلال شخصية الرئيس من أجل بث كل الرسائل السياسية التي تنادي بها حركات الاستيطان المتطرفة، كذلك يسخر أبو طبلة من الخصوم السياسيين الإسرائيليين اليساريين أو الذين ينتقدون اليمين بشكل عام.
أبو طبلة، بقصد أو بغير قصد، يقلّد الفلسطيني ويتمثّل لغته وعقليته ليبدو مقنعاً أكثر وقادراً على التغلغل أكثر وراغباً في تقديم صورة غير تلك الصورة النموذجية من المستوطن، اللافت في هذا أن متابعي أبو طبلة يتجاوزون المليونين، واللافت أيضاً أن أبو طبلة غير قادر على إقناعنا بأنه كوميديان على الإطلاق.