جامعة القدس: ريادة أكاديمية عالمية باسم المدينة وصمود بالعلم في وجه التحديات
على مدار السنوات الخمس الأخيرة، رسّخت جامعة القدس مكانتها كواحدة من أبرز الصروح الأكاديمية الفلسطينية، جامعةً بين التميّز العلمي والبحثي من جهة، والدور الوطني والمجتمعي من جهة أخرى، في نموذج فريد لمؤسسة تعليم عالٍ تحمل اسم القدس وتؤدي رسالتها في واحدة من أكثر البيئات تعقيدًا على المستويين السياسي والاقتصادي.
حققت جامعة القدس إنجازات أكاديمية لافتة، تمثلت في حفاظها على المرتبة الأولى فلسطينيًا في تصنيف QS العالمي للجامعات لخمسة أعوام متتالية، لتكون الجامعة الفلسطينية الوحيدة التي دخلت قائمة أفضل 1000 جامعة على مستوى العالم، إضافة إلى تقدمها إلى مراتب متقدمة عربيًا في تصنيف QS للجامعات في المنطقة العربية، متفوقة على عشرات الجامعات الإقليمية.
ويعكس هذا التقدّم تطورًا ملموسًا في جودة التعليم، والبحث العلمي، وسمعة الخريجين لدى أصحاب العمل، فضلًا عن تحسّن البيئة الأكاديمية والبنية المؤسسية للجامعة.
وفي إطار تعزيز جودة البرامج الأكاديمية، سجلت الجامعة إنجازات غير مسبوقة في مجال الاعتمادات الدولية، أبرزها حصول عدد من برامجها الطبية والعلمية على اعتمادات عالمية مرموقة، جعلتها الأولى فلسطينيًا وفي مصاف عدد محدود من الجامعات في الشرق الأوسط، ما عزز الاعتراف الدولي بشهاداتها ورفع تنافسية خريجيها في الأسواق العالمية.
كما طورت الجامعة برامج تعليمية حديثة، من بينها برنامج الدراسات الثنائية (Dual Studies)، الذي يجمع بين التعليم الأكاديمي والتدريب العملي في مؤسسات وشركات محلية ودولية، وأسهم في رفع جاهزية الطلبة لسوق العمل وربط المعرفة النظرية بالتطبيق العملي.
ولا تنفصل إنجازات جامعة القدس الأكاديمية عن بعدها الوطني، إذ شكّل حملها لاسم القدس التزامًا أخلاقيًا ومجتمعيًا تُرجم إلى سياسات داعمة لصمود المدينة وأهلها. وتُعد الجامعة من أكبر المؤسسات التعليمية التي تستوعب أعدادًا كبيرة من الطلبة المقدسيين، وتوفّر لهم فرص التعليم الجامعي والعالي رغم القيود المفروضة عليهم، وفي مقدمتهم أبناء البلدة القديمة في القدس.
وفي هذا السياق، تنفّذ جامعة القدس أوسع برنامج للمساعدات والمنح المالية بين الجامعات الفلسطينية، يقوم على برنامج مهني تخصصي مبني على المسح الاجتماعي الميداني، ويقدّم منحًا مالية كاملة وجزئية لأبناء القدس، ولا سيما لأهالي البلدة القديمة، بما يضمن استمرارية تعليمهم وعدم حرمانهم من حقهم الأكاديمي تحت ضغط الظروف الاقتصادية والمعيشية.
وقد شكّل هذا النهج المؤسسي في المسؤولية الاجتماعية أحد أبرز أسباب حصول جامعة القدس على جائزة الجامعة العربية الأكثر مسؤولية اجتماعية على مستوى الوطن العربي، تقديرًا لدورها المجتمعي المنهجي وتأثيره المستدام.
وامتد دور الجامعة إلى الجانب الإنساني، حيث واصلت مساندة الطلبة المتعثرين ماديًا، والتنسيق مع فاعلي الخير والمتبرعين لتسديد مستحقاتهم الجامعية، بما يمكّنهم من استلام شهاداتهم والانخراط في سوق العمل، ودعم أسرهم في ظل أوضاع اقتصادية ضاغطة.
كما تولي جامعة القدس اهتمامًا خاصًا بخريجيها، من خلال مساعدتهم في البحث عن فرص عمل، وبناء شراكات مع مؤسسات القطاعين العام والخاص، وتعزيز مهاراتهم المهنية، بما يرفع من فرص توظيفهم ويعزّز ثقة سوق العمل بكفاءتهم.
وعلى الصعيد الدولي، عقدت الجامعة شراكات أكاديمية واسعة مع جامعات عالمية، وأسهمت في إيفاد طلبة متفوقين للدراسة في الخارج ضمن برامج تبادل ومنح دولية، ما أتاح لهم اكتساب خبرات علمية متقدمة ونقلها إلى المجتمع الفلسطيني.
وفي موازاة ذلك، واصلت الجامعة جهودها في استقطاب الدعم والتمويل لتطوير بنيتها الأكاديمية، وكان من أبرز هذه الجهود إنشاء كلية التقنيات الحديثة (كلية حماد الحرازين للتكنولوجيا) بتمويل وتبرع من أحد رجال الأعمال الفلسطينيين المقيمين في الخارج، في نموذج يعكس الثقة المتنامية بالجامعة ودورها العلمي والتنموي.
إلى جانب دورها الأكاديمي، لعبت جامعة القدس دورًا محوريًا في رعاية الأنشطة الثقافية والوطنية داخل فلسطين وخارجها، ودعم المبادرات التي تعزز الهوية الوطنية والرواية الفلسطينية، وتربط التعليم بالوعي الثقافي والمسؤولية المجتمعية.
تمثل جامعة القدس اليوم أكثر من مؤسسة تعليمية؛ فهي مشروع وطني وأكاديمي متكامل، يجمع بين التميّز العلمي المعترف به عالميًا، والانتماء العميق لمدينة القدس، والدور المجتمعي الداعم لصمود أهلها. وبالعلم، والاعتمادات الدولية، والشراكات، والمسؤولية الاجتماعية، تواصل الجامعة أداء رسالتها في بناء الإنسان الفلسطيني القادر على الصمود والمنافسة رغم كل التحديات.
وأمام هذا الدور الأكاديمي والوطني المتراكم، تبرز ضرورة الاعتزاز بجامعة القدس بوصفها أحد أعمدة التعليم العالي الفلسطيني، والدفاع عن مكانتها العلمية التي رسّختها بثقة المجتمع وسوق العمل بخريجيها، والذين أثبتوا كفاءتهم وتميّزهم في مختلف القطاعات داخل الوطن وخارجه. إن أي استهداف للجامعة، أو محاولات للنيل من سمعتها، أو التطاول على إداراتها وكادرها الأكاديمي، أو الإساءة إلى طلبتها أبناء هذا الشعب المناضل المرابط، لا يمس مؤسسة تعليمية فحسب، بل يطال مشروعًا وطنيًا جامعًا يشكّل ركيزة من ركائز الصمود في القدس وفلسطين. ومن هنا، فإن حماية جامعة القدس، والوقوف إلى جانبها، وتعزيز الثقة بها، تُعد مسؤولية وطنية وأخلاقية مشتركة، صونًا للعلم، والدور، والرسالة التي تحملها باسم القدس وفي قلبها.