أمان يناقش قيود الاحتلال الإسرائيلي على المؤسسات الدولية وأثرها في تقليص الفضاء المدني في قطاع غزة
القيود الإسرائيلية تقوّض دور المؤسسات الأهلية الفلسطينية في الرقابة والمساءلة
أمان يناقش قيود الاحتلال الإسرائيلي على المؤسسات الدولية وأثرها في تقليص الفضاء المدني في قطاع غزة
عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، جلسة عبر منصة الزووم، لمناقشة مسودة تقرير بعنوان "الشروط والقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الجهات الدولية العاملة في قطاع غزة وأثرها على الفضاء المدني الفلسطيني". ويستهدف التقرير تحليل القيود الإسرائيلية على العمل الإنساني في أبعادها السياسية والاقتصادية واللوجستية، وتقييم أثرها المباشر على قدرة المؤسسات الدولية في تقديم المساعدات، واستقلالية وفاعلية مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في الرقابة والمساءلة، وذلك لفهم معمّق للآليات التي يستخدمها الاحتلال للسيطرة على المساعدات الإنسانية وتحديد انعكاساتها على المجتمع المدني.
افتتحت مروة أبو عودة، منسقة المناصرة والمساءلة المجتمعية في ائتلاف أمان، جلسة النقاش، موضحة أن القيود الإسرائيلية المفروضة على المؤسسات الدولية والمحلية في تقديم المساعدات الإنسانية، أسهم في تضييق الفضاء المدني وخلق بيئة عمل إنساني غير مستقرة، ما أدى إلى ممارسات سلبية مثل الاعتماد على وسطاء محليين وارتفاع كلفة إيصال المساعدات إلى المستفيدين.
الحصار كأداة سياسية
استعرض الباحث أيمن لُبّد التقرير، موضحاً أن المعطيات الميدانية والتقارير الدولية تؤكد أن القيود الإسرائيلية على إدخال المواد وحركة الطواقم الإنسانية وإدارة المعابر في قطاع غزة تُستخدم كأداة سياسية، وليست مجرد نتيجة للحرب أو اعتبارات تقنية. وأوضح أن هذه القيود تشمل توسيع قائمة المواد المصنّفة كمزدوجة الاستخدام، وتعطيل دخول المعدات الطبية ومواد البنية التحتية والاتصالات والطاقة، ورفض عشرات الطلبات لإدخال مساعدات منقذة للحياة حتى في ظل حالة طوارئ إنسانية غير مسبوقة.
تسييس المساعدات وتراجع عدالة وصولها
كشف التقرير شهادات المؤسسات الدولية العاملة على الأرض أن تسييس المساعدات شكّل أحد أخطر التداعيات المباشرة للقيود الإسرائيلية، حيث جرى توظيفها كأداة نفوذ سياسي، ما انعكس بشكل واضح على عدالة توزيعها. وأسهم غياب سجل وطني موحّد للفئات المستحقة، وضعف التنسيق بين الجهات الدولية والمحلية، في خلق أنماط من التمييز وعدم المساواة، تمثلت في تكرار حصول بعض الفئات على المساعدات مقابل حرمان فئات أخرى أشد تضرراً، الأمر الذي أضعف الشفافية وعمّق فجوة الثقة بين المجتمع المحلي والجهات الموزعة، وفتح المجال أمام ممارسات غير منضبطة في ظل غياب أنظمة توثيق ومساءلة فعّالة. وأشار التقرير أيضا إلى تحول بيئة العمل إلى حالة خنق تشغيلي شبه كامل خلال الحرب، وما تبعها من "وضع دائم جديد" بعد وقف إطلاق النار، حيث استُخدمت القيود كأداة تحكم تمنع الانتقال من الإغاثة الطارئة إلى مسارات التعافي وإعادة الإعمار.
فجوات جغرافية حادة في توزيع المساعدات
تطرق التقرير إلى أن القيود الإسرائيلية المفروضة على الحركة وتحديد ما يُعرف بـ"المناطق المسموح الوصول إليها" أدت إلى حرمان مساحات واسعة من قطاع غزة، ولا سيما المناطق الشمالية والشرقية، من المساعدات الإنسانية والخدمات الصحية لفترات طويلة. وبات واقع توزيع المساعدات يُحكم فعلياً بإمكانية الوصول الجغرافي لا بمستوى الاحتياج الإنساني، ما خلق حالة صارخة من انعدام العدالة الجغرافية، وعمّق الفجوة بين مناطق القطاع المختلفة، إضافة إلى تآكل في الشفافية والمساءلة في العمل الإنساني، لاعتماد المؤسسات الدولية على شركاء ووسطاء محليين، ما أضعف من منظومة المتابعة والتقييم.
تقليص دور المجتمع المدني الفلسطيني
فيما أفضت السيطرة الإسرائيلية على المعابر ورفض عدد كبير من طلبات المؤسسات الدولية، إلى جانب الضغوط غير المباشرة في اختيار الشركاء المحليين، إلى إضعاف استقلالية منظمات المجتمع المدني الفلسطيني. وتحولت العديد من هذه المنظمات من فاعل مستقل إلى منفّذ ثانوي لمشاريع تُصمَّم خارجياً، ما قيد قدرتها على القيام بدورها في الرقابة المجتمعية والمساءلة والمناصرة، لصالح انشغالها المستمر بمحاولات البقاء والاستجابة تحت وطأة الحصار.
الدعوة إلى منصة تنسيق إنساني وطنية مستقلة واستعادة الدور الرقابي للمنظمات المحلية
أوصى التقرير بإنشاء منصة تنسيق إنساني وطنية تعمل باستقلالية سياسية قدر الإمكان، وتضم في عضويتها المنظمات الدولية العاملة، والمؤسسات الفلسطينية الرئيسية، والنقابات المهنية، إلى جانب الجهات الرسمية. وتهدف هذه المنصة إلى توحيد معايير الاستهداف وتوزيع الأدوار بين مختلف الفاعلين، لتعزيز العدالة والشفافية في توزيع المساعدات الإنسانية.
كما شددت التوصيات على أهمية تفعيل دور المجتمع المدني الفلسطيني في الرقابة والتقييم، من خلال تشكيل لجان مجتمعية تتولى مراجعة قوائم المستفيدين، ورصد الشكاوى، والإبلاغ عن أي مظاهر تمييز أو فساد في توزيع المساعدات. كما أكد التقرير على ضرورة الاستثمار في بناء قدرات المنظمات المحلية في مجالات الحوكمة والإدارة المالية، بما يضمن استقلاليتها ويعزز قدرتها على أداء دورها الرقابي بفعالية.
توحيد البيانات لضمان العدالة ومنع التكرار وآليات مساءلة أكثر وضوحاً
دعا التقرير إلى إنشاء قاعدة بيانات موحدة للمستفيدين من المساعدات الإنسانية، تستند إلى معايير واضحة للشفافية وحماية المعلومات الشخصية، معتبراً أن توحيد البيانات يشكل خطوة أساسية للحد من تكرار الاستفادة غير العادلة، ومعالجة حالات الحرمان، وتحسين كفاءة التخطيط والاستجابة الإنسانية في ظل الموارد المحدودة. كما شدد أيضا على ضرورة تفعيل آليات شكاوى حقيقية وفعّالة تضمن المساءلة، وتحد من الانتهاكات، وتعزز ثقة المجتمع المحلي بالجهات المنفذة.
التأكيد على حيادية العمل الإنساني وفصله عن الحسابات السياسية
أكدت التوصيات على أهمية الحفاظ على حيادية العمل الإنساني، والعمل على الفصل الكامل بين أهداف المساعدات الإنسانية والاعتبارات السياسية المرتبطة بالحصار. ودعت إلى تفعيل آليات المساءلة الأممية، بما يضمن عدم توظيف المساعدات كأداة ضغط سياسي، ويحمي المبادئ الأساسية للعمل الإنساني.
اختتم التقرير توصياتها بالدعوة إلى تبني نهج شمولي متعدد المستويات، يدمج الجهود القانونية والدبلوماسية والمناصرة الدولية لمواجهة تأثير القيود الإسرائيلية على العمل الإنساني. كما أكد على أهمية تعزيز قنوات التواصل بين المجتمع المحلي والمجتمع الدولي، بما يسهم في بناء استجابة إنسانية أكثر اتساقاً واستدامة، وقادرة على تلبية الاحتياجات المتفاقمة للسكان المتضررين.
تعقيبات مختلفة
أكد صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، أن القيود الإسرائيلية المفروضة على العمل الإنساني والمدني تمثل جزءاً أساسياً من استراتيجية الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وتهدف إلى إضعاف قدرة المجتمع الفلسطيني على الصمود وتفكيك مؤسساته، وتحويل المساعدات إلى أداة ضغط سياسي. وأشار إلى أن الاحتلال يسعى إلى فرض سردية مضللة للأزمة الإنسانية باعتبارها كارثة طبيعية، مع التلاعب بحجم ونوعية المساعدات، واستهداف استقلالية القرار الإنساني عبر التهديد والمنع وخلق بيئة قانونية وسياسية قائمة على الخوف، ما يقيّد فاعلية الاستجابة الإنسانية.
في حين، عقّب علاء سكافي، مدير مؤسسة الضمير لحقوق الانسان بغزة، أن من أخطر القيود والتحديات التي تواجه العمل الأهلي والإنساني الفلسطيني تصاعد حملات التحريض والتشويه التي يقودها الاحتلال الإسرائيلي ضد المؤسسات الإنسانية، وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ضمن مساعٍ ممنهجة لإعادة هندسة الفضاء المدني، وهو ما تجلى في إنشاء كيانات بديلة مثل ما يسمى بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" لإقصاء المؤسسات الفاعلة.
فيما أكد باسم أبو جري، من مركز الميزان لحقوق الإنسان، على ضرورة إفراد مساحة أوسع في التقرير لتسليط الضوء على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، باعتبارها من أكثر المؤسسات الدولية تأثيراً في قطاع غزة، مشيراً إلى أنها تعرضت لاستهداف منهجي شمل القيود اللوجستية والتشريعية الإسرائيلية، وترك آثاراً خطيرة على الخدمات الصحية والإغاثية. كما أشار إلى أهمية تعزيز التقرير بالبعد الإحصائي لإظهار حجم ودور المؤسسات الدولية قبل الحرب وخلالها، وتحليل أسباب توسع أو انسحاب بعضها. وشدد على أن ما يجري يتجاوز قيوداً على المؤسسات إلى سياسة حصار شاملة ومتعمدة تستهدف قطاع غزة بكامل مكوناته، بما في ذلك القطاع الخاص، عبر منع إدخال الإمدادات والبضائع الأساسية.
وقد أوضح بكر التركماني، منسق التحقيقات والشكاوى في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، أن الاحتلال الإسرائيلي انتهج خلال حرب الإبادة المتواصلة في قطاع غزة سياسات وإجراءات ممنهجة استهدفت المؤسسات الأممية والدولية والمؤسسات الأهلية الفلسطينية، وأسهمت في تقويض الرقابة والمساءلة. وشدد على ضرورة إعادة الاعتبار للمؤسسات الأهلية الفلسطينية في قيادة العمل الإغاثي والإنساني، وتنظيم علاقتها مع المؤسسات الدولية والأممية، وعدم تهميشها في جميع مراحل العمل الإغاثي، من المشاركة الفاعلة إلى التخطيط الفعلي لا الشكلي. كما أكد أهمية أن تضطلع المؤسسات الدولية والأممية بدورها في مساءلة الاحتلال عن جرائمه، وألا تتحول إلى جهات مستجيبة للاختلالات التي يفرضها على العمل الإنساني والإغاثي، باعتبارها جهات خاضعة للمساءلة أمام المجتمع المحلي، لا كيانات فوق المساءلة، مشيراً إلى أن أي تقصير في هذا الدور يسهم عملياً في إضعاف الاستجابة الإنسانية وتكريس القيود المفروضة على قطاع غزة.