برحيله تفقد فلسطين قامة فنية ووطنية.. محمد بكري يغيب بعد مسيرة حافلة بالعطاء والإبداع

2025-12-24 18:18:16

رام الله – راية

غيّب الموت، اليوم الأربعاء، الممثل والمخرج والمنتج الفلسطيني محمد بكري عن عمر ناهز 72 عامًا، بعد مسيرة فنية وثقافية طويلة شكّل خلالها أحد أبرز أعمدة السينما والمسرح الفلسطينيين، وصوتًا فنيًا ملتزمًا حمل القضية الفلسطينية إلى المنصات العربية والدولية بجرأة وصدق.

ووفق مصادر عائلية وإعلامية، توفي بكري بعد تدهور حالته الصحية إثر معاناة مع مرض القلب، ليرحل تاركًا إرثًا إبداعيًا غنيًا، وحضورًا استثنائيًا تجاوز حدود الفن ليصل إلى عمق الفعل الثقافي الوطني.

من الجليل إلى العالمية

وُلد محمد بكري في قرية البعنة بالجليل عام 1953، ونشأ في بيئة فلسطينية مشبعة بالهوية والانتماء، قبل أن يدرس التمثيل والأدب العربي، ويبدأ مسيرته الفنية في سبعينيات القرن الماضي، من خشبة المسرح وصولًا إلى شاشة السينما.

شارك بكري في عشرات الأعمال المسرحية والسينمائية، العربية والعالمية، وتميّز بأدواره المركّبة التي عكست الإنسان الفلسطيني وهمومه اليومية في ظل الاحتلال، ليصبح واحدًا من أكثر الفنانين الفلسطينيين حضورًا وتأثيرًا على الساحة الثقافية.

«جنين.. جنين»… الفن في مواجهة الرواية الرسمية

شكّل الفيلم الوثائقي «جنين.. جنين» (2002) علامة فارقة في مسيرة محمد بكري، إذ وثّق فيه شهادات حيّة من مخيم جنين عقب الاجتياح الإسرائيلي، مقدمًا رواية إنسانية صادمة لما تعرّض له المدنيون.

وأثار الفيلم جدلًا واسعًا، وتعرّض بسببه بكري لملاحقات قضائية وتحريض سياسي، ومنع عرضه في بعض المحافل، غير أن ذلك لم يثنه عن موقفه، بل رسّخ صورته كفنان يرى في السينما أداة مقاومة، ووسيلة لحماية الذاكرة الفلسطينية من التزييف.

فن ملتزم ومواقف ثابتة

لم يكن محمد بكري فنانًا تقليديًا، إنما مثقفًا عضويًا آمن بدور الثقافة في معركة الوعي، ورفض فصل الفن عن القضايا الوطنية والإنسانية. وقد دفع ثمن مواقفه المبدئية من استقراره المهني، لكنه ظل متمسكًا بخياره الأخلاقي والوطني حتى اللحظة الأخيرة.

وإلى جانب الإخراج، قدّم بكري أدوارًا لافتة في السينما العربية والعالمية، جسّد خلالها شخصيات إنسانية عميقة، ونال احترام النقاد والجمهور، ليصبح اسمًا حاضرًا في مهرجانات دولية عدة، وسفيرًا للسينما الفلسطينية في الخارج.

وزارة الثقافة: خسارة كبيرة للمشهد الثقافي الفلسطيني

ونعت وزارة الثقافة الفلسطينية الفنان الراحل محمد بكري، معتبرة أن رحيله يشكّل خسارة فادحة للمشهد الثقافي والفني الفلسطيني والعربي، ولفنان وطني سخّر إبداعه للدفاع عن الرواية الفلسطينية في مواجهة محاولات الطمس والتزييف.

وأكدت الوزارة في بيانها أن بكري كان قامة فنية ووطنية استثنائية، لم يتوانَ عن توظيف الفن في خدمة قضايا شعبه، وأسهم في ترسيخ حضور السينما الفلسطينية عالميًا، رغم ما تعرّض له من ملاحقات وضغوط سياسية بسبب أعماله ومواقفه.

وأضاف البيان أن الراحل لم يكن مجرد ممثل أو مخرج، بل مثقفًا ملتزمًا آمن بأن الثقافة شكل من أشكال النضال، وترك إرثًا فنيًا وإنسانيًا سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة.

حزن واسع ونعي ثقافي عربي

وأثار رحيل محمد بكري موجة حزن واسعة في الأوساط الثقافية والفنية الفلسطينية والعربية، حيث نعاه فنانون ومثقفون وناشطون، مؤكدين أن فلسطين فقدت برحيله أحد أبرز أصواتها الفنية الحرة، وأحد حراس ذاكرتها الثقافية.

وتناقل ناشطون مقاطع من أعماله وتصريحاته، مستذكرين شجاعته في الدفاع عن الحق الفلسطيني، وإصراره على البقاء في موقع المواجهة الثقافية رغم كل التحديات.

إرث باقٍ وذاكرة لا تموت

برحيل محمد بكري، تطوي فلسطين صفحة من صفحات الفن المقاوم، لكنها تفتح في المقابل سجلًا خالدًا من الإبداع والموقف والالتزام. فالأعمال التي قدّمها، والرواية التي دافع عنها، ستبقى حاضرة في الذاكرة الوطنية، شاهدة على أن الفن كان – ولا يزال – جزءًا أصيلًا من معركة الحرية.