الشبيبة و دور العُمْر والقيادة

2025-12-26 17:03:45

عمر الشباب يرتبط بالطموح والانطلاق بل والجموح الملازم لحالة التمرد والرغبة بتغيير العالم لذلك فإن استثمار هذه الحالة المرتبطة بالسن يعتبر مقدِرَة لدى الرواد الشباب أنفسهم حين يكون بين أعينهم قضية، كما هو مقدِرَة لدى القيادات الاخرى حين تراهن على الطلبة أو الشبيبة المثقفة والطموحة والقادرة على الفعل داخل التنظيم السياسي فتجتهد هذه القيادات في تثقيف وبناء وفسح المجال أمام شبيبتها بكل عناية ومحبة، وتمازج الأجيال. وفي محاول منا لرصد الأعمار مرتبطة بالثورات وجدنا التالي:

• الثائر العظيم عبدالقادر الجزائري ثار ضد المستخربين (المستعمرين) الفرنسيس بعمر 24 عامًا تقريبًا. (تم احتلال الجزائرعام 1830م، وانصرفوا الى غير رجعة عام 1962 بانتصار الثورة الجزائرية)

• الثورة الفيتنامية بقيادة "هوشي منه" ارتبطت به وهو بعمر 51 عامًا

• بينما قائد الثورة الصينية "ماوتسي تونغ" عند تأسيس الحزب الشيوعي الصيني كان عمره 28 عامًا. وعند الانتصار (عام 1949م) كان عمره 56 عامًا.

• وفي كوريا الشمالية كان الزعيم "كيم إيل سونغ" عند بروز قيادته لحركة التحرر ضد الامريكان 33 عامًا

• وتجد أن "فيديل كاسترو" قائد الثورة الكوبية ضد الرأسمالية الامبريالية في بلاده بدا معه منذ كان عمره 27 عامًا

• وفي عمر 27 عامًا للقيادي الثائر "تشي غيفارا"

• أما "دانييل أورتيغا" قائد الثورة الساندينية في نيكاراغوا ، فعند الانتصار عام 1979 كان عمره 33 عامًا

• أما الثورة الروسية على القيصرية فلقد حقق لينين انتصاره بعمر 47 أي أنه كان مناضلًا بمرحلة الشباب وكذلك الحال مع "ليون تروتسكي" بعمر 38 عند الانتصار عام 1917م.

• وفي المنطقة العربية فلقد بدا المناضل الحبيب بورقيبة نضاله وهو بالثلاثينيات من عمره مع تصاعد الحركة الوطنية ضد الاحتلال الفرنسي وتحقق الاستقلال وهو بالخمسينيات من عمره.

• وبرز الدور العسكري للرئيس القائد الجزائري العظيم هواري بومدين هو بعمر 27 عامًا، فيما كان أحمد بن بله بعمر 38 عامًا عند اندلاع الثورة الجزائرية المجيدة (1954-1962م).

• وعند اندلاع الثورة البيضاء في مصر ضد الملكية التابعة للإنجليز (ثورة 23 يوليو 1952م) كان عمر الرئيس جمال عبدالناصر هو 34 عامًا.

• وكان الزعيم ياسر عرفات عند تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح أواخر العام 1957م بعمر 28 عامًا وعند الانطلاقة المجيدة عام 1965 كان عمره 36 عامًا. وقِس على ذلك كل من القادة الكبار صلاح خلف "أبوإياد" الرجل الثاني في الثورة الفلسطينية، وأمير الشهداء خليل الوزير"أبوجهاد" أول الرصاص وأول الحجارة، والمفكر العروبي الطاغي خالد الحسن ومن تلاهم. 

• وأسس جورج حبش "حركة القوميين العرب" وهو بالعشرينيات من عمره بالجامعة، وكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهو ببداية الأربعينات من عمره.

• وفي إفريقيا عند تأسيس الجناح المسلح للمؤتمر الوطني الإفريقي كان "نلسون مانديلا" بعمر 43 عامًا

• بينما الخميني (في حالة استثنائية جدًا) عند انتصار الثورة الايرانية ضد الشاه الامريكي التوجه فكان عمره 77 عامًا

الاستنتاج الأولي هو أن دور العمر هام نعم، لكنه لم يكن عاملًا حاسمًا في التغيير والتمرد والثورة والقيادة بقدر الفكرة والأكتاف الصلبة القادرة على حملها رغم وضوح أن السن (غالب القادة للثورات كانوا بالثلاثينيات والأربعينيات من أعمارهم) كان عاملًا مهمًا أيضًا لكن ليس الأوحد في اطلاق ومسيرة ومن ثم نجاح التمرد او المقاومة أو الثورة وعليه يمكن القول أن حالة الاستعداد غالبًا ما ترتبط (من ناحية العمر) بالشبيبة والطلبة أولًا: متى ما توفر لديهم الشعور العميق بالظلم ووجوب التمرد، ثم ثانيًا ردة الفعل المرتبطة بإرادة التغيير بوعي وعمل مثابر وثقافة متواصلة، ثم ثالثًا بإدراك القادة الرواد لقدراتهم، وللحظة التاريخية المناسبة، ولطبيعة العوامل الداخلية والخارجية وكيفية تعاملهم معها واستثمارها.

وفي إطلالة تاريخية بسيطة فإن الاسكندر الاكبر بدأ حروبه التوسعية بعم 21 عامًا وكات فتوحات هارون الرشيد في العشرينات والثلاثينات من عمره اما سيف الدين قطر عندما انتصر على المغول في معركة عين جالوت في فلسطين فقد كان بالأربعين من عمره، فيما كان جنكيز خان عندما وحد قبائل المغول تمهيدًا لغزو العالم 44 عامًا (صعود متأخر لكنه الأعنف والأقسى على العالم)، وعندما انتصر الناصر صلاح الدين الايوبي في معركة حطين ف فلسطين ضد الفرنجة كان بأواخر الأربعينيات من عمره بينما تولى وزارة مصر في الثلاثينيات، والى ما سبق فإن السلطان محمد الفاتح فتح القسطنطينية (اسطنبول لاحقًا) بعمر 21 عامًا كما حال صقر قريش عبدالرحمن الداخل عندما أسس مملكة الأندلس بالعشرينيات من عمره، والى ذلك تجد الخليفة علي بن أبي طالب قد استلم زمام الامور بعمر 58 عامًا.

من الكبار الذين حققوا الأهداف كان في نموذجنا كل من الخميني (حالة استثنائية جدًا) ولينين وقطز وهوشي منه، وفي المقابل كان الانطلاق الشبابي بالتاريخ (من رصدنا) من نصيب الاسكندر الاكبر وعبدالرحمن الداخل، وهارون الرشيد (وكلهم وراءهم دول عظيمة او أرث كبير)، بينما جمال عبدالناصر وهواري بومدين وياسر عرفات وغيفارا وكاسترو جاءوا في عصر القطبين العالميين وعصر الثورات المدعومة. وللأمانة العلمية فإن هذه المقارنات تحتاج لبحث أطول وأعمق ما لايمنع من أخذ العبرة هنا والقياس.

دعنا هنا ننطلق للقول أن فكرة الاحلال بمعنى إسقاط القادة الكبار سنًا بشكل كلي وإحلال قادة شباب سيحققون الانطلاقة والتقدم غير مثبتة تاريخيًا وإنما الشباب يصنعون الانطلاق الصعب والشيوخ يضمنون الاستمرارية، والشباب يشكلون قوة جسدية وفكرية (حين الثقافة) أكبر كما القرار والحسم السريع وبمخاطرة عالية جدًا تتعلق بالعوامل الداخلية والخارجية وفهم اللحظة وغدراك الفرصة لذلك كان القادة من كبار السن ذوي استدامة أطول ويقومون بمخاطر محسوبة وبحسم أضعف يعتمد على الموقف، وأحيانًا يكونوا بطيئين الاستجابة مقارنة بالقيادات الشابة.

الخلاصة هنا أن السن لوحده بما فيه من جرأة ومخاطرة وطاقة نفسية وعاطفية وجسدية وهمة عظيمة وكما أسلفنا ليس العامل الحاسم الوحيد لتحقيق التمرد أو الثورة او الانطلاق أو القيادة وتحقيق الأهداف، بقدر ارتباطه بالفكرة واللحظة والوعي كما الحال بمتطلبات المرحلة. فقد تحتاج المرحلة طوفانًا ثوريًا شبابيًا، او قد تحتاج صبرًا استراتيجيًا يتميز به الشيوخ، وربما قدرة على إدارة التوازنات. ولربما التعامل السريع مع مسألة معقدة قد يؤدي للفشل فيما في حالات أخرى فإن اقتناص الفرصة السانحة تحقق النصر. (يتبع)