الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:32 AM
الظهر 11:23 AM
العصر 2:28 PM
المغرب 4:56 PM
العشاء 6:12 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

كيف تستخدم إسرائيل أموال المقاصة لفرض السيطرة على الاقتصاد الفلسطيني؟

أموال من عملة الشيكل - صورة تعبيرية
أموال من عملة الشيكل - صورة تعبيرية

في كل مرة تُعلن فيها إسرائيل حجب أموال المقاصة أو اقتطاع جزء منها، يعود الملف المالي المعقد إلى واجهة النقاش، باعتباره أحد أدوات الضغط السياسي والاقتصادي التي تمسك بها إسرائيل منذ توقيع اتفاق باريس الاقتصادي في التسعينيات، وتتجدد التساؤلات حول طبيعة النظام المالي الذي يمنحها سلطة واسعة على الإيرادات الفلسطينية، وحول الأسباب التي تجعل قرارًا ماليًا واحدًا قادرًا على تعطيل صرف الرواتب وإرباك الاقتصاد بأكمله.

أموال المقاصة ليست مجرد بند في ميزانية السلطة الفلسطينية، بل تمثل المصدر الرئيسي للإيرادات العامة، ومن خلالها تتحكم إسرائيل بتدفق الأموال الفلسطينية، فتسمح بالتحويل حينًا، وتوقفه حينًا آخر، وفق حسابات سياسية وأمنية.

يقدم مسبار في المقال التالي قراءة تفسيرية لأموال المقاصة، ماهيتها، وآلية إدارتها، والأساس القانوني الذي تستند إليه إسرائيل في السيطرة عليها، كما يتناول الآثار الاقتصادية والاجتماعية لاحتجازها أو اقتطاعها، وكيف تحوّل نظام المقاصة إلى أداة عقاب جماعي تمس حياة الفلسطينيين واستقرارهم اليومي.

احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة كسياسة عقاب جماعي

تحوّلت أموال المقاصة، التي كان يُفترض أن تشكل "ركيزة لتنظيم العلاقة الاقتصادية" بعد اتفاق أوسلو، إلى وسيلة للهيمنة الاقتصادية والعقاب الجماعي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي لفرض السيطرة على القرار الفلسطيني وتقييد قدرته على إدارة موارده المالية. فبدل أن تكون آلية مالية "للتعاون" وفقًا لبنود أوسلو، أصبحت أداة ابتزاز تُستخدم لمعاقبة الفلسطينيين جماعيًا كلما تبنت السلطة موقفًا سياسيًا لا يرضي الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا مع تصاعد نفوذ التيار اليميني المتطرف في إسرائيل خلال السنوات الأخيرة.

منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، استخدم الاحتلال الإسرائيلي سياسة حجز أموال المقاصة مرارًا كوسيلة ضغط وعقاب، ما أدى إلى أزمات مالية متكررة أصابت حياة الفلسطينيين مباشرة، من تعطيل صرف الرواتب إلى شلل المؤسسات العامة، ورسخت تبعية قسرية بين الاقتصاد الفلسطيني الخاضع للاحتلال والاقتصاد الإسرائيلي الذي يفرض شروطه بالقوة.

ووفق تقرير لمركز مدار للدراسات الإسرائيلية، احتجزت سلطات الاحتلال أموال المقاصة تسع مرات على الأقل منذ توقيع اتفاق أوسلو، لفترات تراوحت بين أسابيع وسنتين، بذريعة "الاعتبارات الأمنية والسياسية"، وهي ذرائع تكررت لتبرير إجراءات عقابية تستهدف الضغط على الفلسطينيين.
 ففي عام 1997، جمد نتنياهو نحو 87 مليون دولار من أموال الفلسطينيين، ثم بين عامي 2000 و2002 احتجز الاحتلال أكثر من 500 مليون دولار خلال الانتفاضة الثانية للضغط على السلطة لقمع المقاومة.
وفي عام 2006، بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، جمد الاحتلال تدريجيًا نحو 1.1 مليار دولار، وأعاد الخطوة عامي 2012 و2015 عقب التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.

وتصاعدت سياسة حجز واقتطاع أموال المقاصة في عهد الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لتبلغ مستويات غير مسبوقة من حيث الاتساع والانتظام.

وأوضح الخبير الاقتصادي مؤيد عفانة، لمسبار، أن إسرائيل اقتطعت عام 2019 نحو 53 مليون شيكل من أموال المقاصة، بزعم أنها تعادل المبالغ التي تدفعها السلطة الفلسطينية كرواتب ومخصصات لعائلات الأسرى والشهداء. كما صعدت في عام 2023 من إجراءاتها العقابية، فاقتطعت نحو 275 مليون شيكل من الأموال المخصصة لقطاعي التعليم والصحة في غزة، ليرتفع إجمالي الاقتطاعات إلى ما يقارب 330 مليون شيكل من أموال المقاصة الفلسطينية.

ما المقصود بأموال المقاصة؟

تعرف أموال المقاصة بأنها الإيرادات الضريبية التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية على السلع المستوردة إلى الأراضي الفلسطينية، سواء من إسرائيل نفسها أو عبر المعابر التي تسيطر عليها، وتشمل ضرائب وجمارك ومكوسًا. وتشكل هذه الأموال المصدر الرئيسي لإيرادات السلطة، إذ تغطي نحو 65% من موازنتها العامة.

وبموجب بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع عام 1994، تتولى إسرائيل جباية هذه الضرائب وتحويلها شهريًا للسلطة الفلسطينية بعد اقتطاع نسبة 3% كعمولة إدارية، وهو ما يمنحها أداة ضغط سياسية واقتصادية مستمرة.

وأوضح الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي ومنسق شبكة الصحفيين الاقتصاديين، أيهم أبو غوش، لمسبار، أن المقاصة ليست نوعًا من الضرائب، بل عملية مالية شهرية لتسوية الحسابات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتقوم على مبدأ "تحديد الوجهة النهائية للسلعة"، أي تحديد ما إذا كانت السلع المستوردة مخصصة للأسواق الفلسطينية أم الإسرائيلية.

وأضاف أبو غوش أن فلسطين تستورد من إسرائيل أكثر مما تصدر إليها، كما تعتمد على الموانئ التي يسيطر عليها الاحتلال لاستيراد معظم احتياجاتها من الخارج، ما يجعل الفارق المالي في نهاية كل شهر لصالح الجانب الفلسطيني، فيُحول هذا الفارق إلى وزارة المالية الفلسطينية.

من جهته، أوضح الخبير الاقتصادي مؤيد عفانة لمسبار أن السلطة الفلسطينية، بسبب غياب السيطرة على المعابر والحدود، تعتمد على سلطات الجمارك الإسرائيلية في إنهاء الإجراءات الجمركية للبضائع المستوردة، وبعد ذلك تحول إسرائيل الإيرادات المستحقة نهاية كل شهر.

إيرادات المقاصة وفق اتفاقية باريس الاقتصادية

تتضمن اتفاقية باريس، الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1994، بنودًا تنظم العلاقة الاقتصادية والمالية بين الجانبين، ومن أبرزها آلية المقاصة، وهي النظام الذي تحول من خلاله الضرائب والرسوم التي تجبيها إسرائيل نيابةً عن السلطة الوطنية الفلسطينية.

وبموجب هذه الآلية، تجمع إسرائيل مجموعة من الضرائب والإيرادات نيابة عن الجانب الفلسطيني، ثم تقوم بتحويلها بعد اقتطاع نسبة محددة كعمولة إدارية. وتشمل هذه الإيرادات عدة أنواع رئيسية من الضرائب كما يلي:

أولًا: ضريبة القيمة المضافة (VAT)

نصت اتفاقية باريس على أن لكل من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي نظام ضريبة قيمة مضافة خاصًا به، على ألا يقل معدل الضريبة الفلسطينية عن المعدل الإسرائيلي بأكثر من نقطتين مئويتين.
تُفرض هذه الضريبة على جميع السلع والخدمات المتبادلة بين الجانبين، وكذلك على السلع المستوردة من الخارج إلى السوق الفلسطينية. وتُعد ضريبة القيمة المضافة المصدر الأكبر لأموال المقاصة، نظرًا لتطبيقها على معظم السلع المتداولة.

ثانيًا: الرسوم الجمركية (Customs Duties)

تُفرض الجمارك على السلع المستوردة عبر المعابر والموانئ التي يسيطر عليها الجانب الإسرائيلي، وتُحول حصتها إلى السلطة الفلسطينية إذا كانت مخصصة للاستهلاك في الأسواق الفلسطينية.
وتشمل هذه الرسوم سلعًا محددة مثل المركبات والسجائر والتبغ وغيرها من البضائع الخاضعة للتعرفة الجمركية، وتُحصَّل ضمن المقاصة الشهرية بين الجانبين.

ثالثًا: ضريبة المحروقات (Excise Tax on Fuel)

تُعد ضريبة المحروقات من أبرز الضرائب التي تندرج ضمن أموال المقاصة، وتنص الاتفاقية على أن أسعار الوقود والضرائب المفروضة عليه في المناطق الفلسطينية يجب أن تكون قريبة من المعدلات الإسرائيلية، مع إمكانية وجود فرق بسيط يُتفق عليه بين الجانبين.
 وتُفرض هذه الضريبة كضريبة شراء خاصة على البنزين والسولار وغاز الطهي، وتُجبى من قبل إسرائيل عند الاستيراد، ثم تُحوَّل للسلطة الفلسطينية عن الكميات المخصصة للاستهلاك المحلي.
وتُعتبر هذه الضريبة من أكثر المصادر استقرارًا في أموال المقاصة نظرًا للطلب المستمر على الوقود في السوق الفلسطينية.

رابعًا: ضريبة الدخل على العمال الفلسطينيين

نصّت الاتفاقية على أن سلطات الاحتلال تقوم بجباية ضريبة الدخل من العمال الفلسطينيين العاملين في أراضي عام 1948 وفي المستوطنات، ثم تُحول جزءًا من هذه الإيرادات إلى السلطة الفلسطينية.

وبموجب الاتفاق:

تُحول للسلطة الفلسطينية نسبة من ضريبة الدخل المجباة من العمال في أراضي عام 1948.
 

وتُحول كامل ضريبة الدخل المجباة من العمال في المستوطنات.
 

كما تشمل المقاصة أيضًا الاستقطاعات الاجتماعية والصحية والتقاعدية من أجور العمال الفلسطينيين العاملين لدى الإسرائيليين، والتي تُحول إلى السلطة الفلسطينية لتوفير الخدمات الصحية والاجتماعية لهؤلاء العمال وأسرهم.

كيف تحولت أموال المقاصة من حق فلسطيني إلى أداة للسيطرة الإسرائيلية على الاقتصاد؟

أصبحت أموال المقاصة، التي تُفترض أن تكون حقًا ماليًا فلسطينيًا خالصًا، أداة يتحكم بها الاحتلال الإسرائيلي لتقييد قدرة الفلسطينيين على إدارة اقتصادهم، بعدما تحوّلت من آلية تنظيم مالي إلى وسيلة سيطرة تفرض تبعية قسرية على المالية العامة الفلسطينية.
وتشكل هذه الأموال العمود الفقري لميزانية السلطة الفلسطينية، إذ تمثل أكثر من ثلثي الإيرادات العامة نحو 12 مليار شيكل سنويًا، أي ما يعادل 3.2 مليار دولار، وتعتمد السلطة عليها لتغطية رواتب أكثر من 240 ألف موظف ومستفيد، ما يجعل أي اقتطاع أو حجز لها كفيلًا بشل الدورة الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإغراق الفلسطينيين في أزمة معيشية متكررة.

وأوضح الخبير الاقتصادي مؤيد عفانة لمسبار أن أموال المقاصة تشكل حوالي 68% من الإيرادات العامة، بينما لا تتجاوز الإيرادات المحلية 32% وتشمل الضرائب والرسوم الداخلية.
وأضاف الصحفي الاقتصادي أيهم أبو غوش أن المقاصة تُعد المورد الأساسي لتغطية فاتورة الرواتب الشهرية التي تقارب المليار شيكل، إلى جانب نفقات تشغيلية تصل إلى نحو 400 مليون شيكل.
وأشار إلى أن تحكم الاحتلال في تحويل هذه الأموال، والتي يجبيها شهريًا من الضرائب غير المباشرة على السلع المستوردة، يؤدي إلى شلل مالي كامل يعطل قدرة الفلسطينيين على إدارة شؤونهم المعيشية، ويكشف هشاشة نظام مالي نشأ أصلًا تحت قيود اتفاق باريس الاقتصادي الذي منح إسرائيل سلطة التحكم بالإيرادات الفلسطينية.

كيف تصادر إسرائيل أموال المقاصة الفلسطينية تحت غطاء "التعويضات"؟

في يناير/كانون الثاني 2023، أصدر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قرارًا تنفيذيًا بمصادرة 139 مليون شيكل من أموال الضرائب الفلسطينية، وتحويلها لتعويض من تصفهم إسرائيل بـ"ضحايا الإرهاب"، الذين قُتلوا في عمليات فلسطينية.

وفي مايو/أيار من العام نفسه، صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءة الأولى على مشروع قانون يتيح خصم مبالغ إضافية من أموال المقاصة المحوّلة للسلطة الفلسطينية، لتغطية تعويضات تدفعها الحكومة الإسرائيلية أو صناديقها لمتضررين إسرائيليين من أعمال مقاومة فلسطينية.

وينص القانون على أن لجنة الخارجية والأمن الإسرائيلية تحدد سنويًا قيمة المبالغ المقتطعة، مع الأخذ بعين الاعتبار الأموال المجمدة بموجب القوانين السابقة، قبل تحويل أي دفعات مالية إلى السلطة الفلسطينية.

وفي أغسطس/آب الفائت، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن سلطات الاحتلال خصمت نحو 110 ملايين شيكل إضافية من أموال الضرائب الفلسطينية، وحوّلتها لتعويض 52 عميلًا تعاونوا مع أجهزتها الأمنية وساهموا في إحباط عمليات ضدها، وادعت أنهم تعرضوا للتعذيب على يد أجهزة أمن تابعة للسلطة الفلسطينية. 

وجاء القرار استنادًا إلى أحكام قضائية إسرائيلية منحت هؤلاء العملاء حق التعويض، بعد أن ادعوا تعرضهم للتعذيب، استنادًا إلى شهادات وتقارير طبية قدموها للمحاكم الإسرائيلية. ويعد هذا الحكم سابقة قضائية تكرّس إمكانية نظر المحاكم الإسرائيلية في دعاوى مرفوعة ضد السلطة الفلسطينية، وفتح الباب أمام تحويل أموال المقاصة الفلسطينية لتعويض متعاونين مع الاحتلال.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن سلطات الاحتلال حولت نحو 25 مليون شيكل من أموال الضرائب الفلسطينية إلى 41 عائلة إسرائيلية زعمت أن أفرادها قُتلوا في عمليات نفذها فلسطينيون، مؤكدة أن هذه المبالغ استُقطعت من أموال المقاصة المحوّلة للسلطة الفلسطينية.

تدهور الاقتصاد الفلسطيني وفق تقرير البنك الدولي

أكد البنك الدولي أن الاقتصاد الفلسطيني يواجه أسوأ أزمة منذ ثلاثة عقود، إذ يشهد قطاع غزة انهيارًا شبه كاملًا مع تراجع الدخل الفردي إلى أقل من 200 دولار سنويًا، وانكماش الناتج المحلي هناك بأكثر من 80% خلال عام 2024.
وفي المقابل، تعاني الضفة الغربية من فقدان واسع للوظائف وتراجع الخدمات، إضافة إلى أزمة مالية متفاقمة بسبب تعليق تحويلات أموال المقاصة من قبل سلطات الاحتلال.

ووفق التقرير، ارتفع معدل الفقر في الأراضي الفلسطينية إلى نحو 45% بنهاية 2024، فيما بلغت البطالة في غزة نحو 69%، وتراجعت مشاركة القوى العاملة إلى 30%. كما ارتفع الدين العام للسلطة الفلسطينية من 53% من الناتج المحلي عام 2022 إلى ما يقارب 90% عام 2025 نتيجة الاقتراض لتغطية العجز المالي، ما أجبر الحكومة على خفض رواتب الموظفين إلى 50–60% من قيمتها.

ويتوقع البنك الدولي أن يسجل الاقتصاد الفلسطيني نموًا بنسبة 3.9% خلال 2025، إلا أن الدمار الواسع في غزة سيقيّد أي تعافٍ سريع، إذ تقدر احتياجات إعادة الإعمار بأكثر من 50 مليار دولار.
 وشدد التقرير على أن أي تحسن اقتصادي يرتبط بوقف إطلاق النار واستئناف تحويلات المقاصة وتدفق المساعدات الدولية، مع استمرار المخاطر المرتبطة بتصاعد العنف والتوترات الإقليمية.

الحكومة الفلسطينية: احتجاز أموال المقاصة خنق مالي وحصار إسرائيلي متواصل

أكد المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية، محمد أبو الرب، في حديثه لمسبار، أن احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة بشكل كامل لأكثر من خمسة أشهر، بعد اقتطاع ثلثي قيمتها منذ أكتوبر 2023، أدى إلى تراكم نحو 12.5 مليار شيكل من المستحقات الفلسطينية، ما تسبب بأزمة مالية هي الأعمق منذ سنوات.

أوضح أبو الرب أن أموال المقاصة تمثل نحو 68% من إيرادات وزارة المالية الفلسطينية، وتشمل الضرائب المفروضة على السلع المستوردة من الخارج، من مواد غذائية أساسية كالسكر والأرز والطحين، إلى الملابس والسيارات والمحروقات. وقال "تجميدها يعني خنق شريان الحياة المالي لمؤسسات الدولة الفلسطينية".

وأضاف أن هذا الاحتجاز يندرج ضمن سياسة الحصار المالي التي تمارسها إسرائيل ضد مؤسسات دولة فلسطين، مشيرًا إلى أن الحكومة فقدت أكثر من ثلثي دخلها خلال الأشهر الماضية، في ظل تراجع الإيرادات المحلية إلى النصف تقريبًا نتيجة التدهور الاقتصادي العام.

ولفت إلى أن الأزمة ألقت بظلالها على مختلف القطاعات، وأثرت على الخطط الحكومية الخاصة بالتنمية المؤسسية والخدمات العامة.

وختم بالقول "طالما أن الحصار المالي الإسرائيلي مستمر، فإن الموارد المحلية المحدودة أو المساهمات الجزئية من بعض الدول لا يمكن أن تعوض المورد الأساسي أموال المقاصة. لا توجد دولة في العالم يمكن أن تفقد 68% من دخلها وتواصل عملها بشكل طبيعي في ظل الاحتلال والحصار".

كيف تنتهك إسرائيل القانون الدولي باحتجاز أموال المقاصة الفلسطينية؟

يشكل احتجاز أموال المقاصة أحد أبرز مظاهر السيطرة المالية التي تمارسها إسرائيل على الفلسطينيين، إذ يتجاوز البُعد الاقتصادي إلى انتهاك صريح للقانون الدولي ولقواعد الاحتلال المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف.

قال المحامي والناشط الحقوقي سيف الدين قنديل لمسبار إن حجز أموال المقاصة يمثل خرقًا واضحًا للاتفاقيات الدولية، ويقوض قدرة الفلسطينيين على إدارة شؤونهم المالية والاجتماعية، خصوصًا في ما يتعلق بتقديم المساعدات لعائلات الأسرى والشهداء، وهي مسؤوليات وطنية وإنسانية لا يحق لقوة الاحتلال التدخل فيها أو تقييدها.

وبموجب اتفاقية باريس الاقتصادية، تلتزم إسرائيل بتحويل أموال المقاصة إلى الجانب الفلسطيني بانتظام، ما يجعل أي احتجاز أو اقتطاع أحادي الجانب انتهاكًا مباشرًا للاتفاقية ومخالفة لمبدأ حسن النية في تنفيذ المعاهدات، كما نصت عليه اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969.

وأوضح قنديل أن هذه السياسة تمثل تدخلًا سياسيًا مباشرًا في الشأن الفلسطيني الداخلي، إذ تُستخدم كأداة ضغط لمعاقبة الفلسطينيين جماعيًا أو لفرض تغييرات في سياساتهم، في انتهاك واضح لمبدأ عدم التدخل، وهو قاعدة آمرة في القانون الدولي العرفي أكدتها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينها القرار رقم 73/63.

كما يعد احتجاز أموال المقاصة انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة، التي تُلزم قوة الاحتلال بضمان رفاهية السكان المدنيين وحماية مواردهم. ويمثل حرمان الفلسطينيين من أموالهم عقوبة جماعية محظورة صراحةً بموجب المادة 33 من الاتفاقية نفسها.

ويخلص قنديل إلى أن حجز أموال المقاصة لا يقتصر على كونه خرقًا لاتفاقية دولية، بل يشكل انتهاكًا مركبًا يجمع بين السيطرة السياسية والعقاب الجماعي والتدخل في الحقوق المالية لشعب واقع تحت الاحتلال، وهو ما يجعل هذه الممارسة واحدة من أكثر أدوات السيطرة الإسرائيلية فجاجة واستمرارية منذ توقيع اتفاق أوسلو.

Loading...