ارتفاع تكاليف التعليم يثقل كاهل أهالي غزة
تقرير خاص| ميران صالح... معلمة تُدرّس أبناءها في خيمة وتحلم بمدرسة تعيد لهم الحياة
خاص - راية
في خيمةٍ صغيرة على أطراف دير البلح، يتردّد صوت المعلمة ميران صالح وهي تكتب على لوحٍ كرتوني مهترئ كلماتٍ إنجليزية بسيطة لأطفالها الستة.
كانت يوماً ما معلمة لغة إنجليزية في مدرسة خاصة، تنشر العلم بين أطفال غزة، لكن الحرب الأخيرة سرقت منها المدرسة والبيت والزوج... وتركتها وحيدة تحت خيمة لا تقي برداً ولا حرّاً، تُحاول أن تُبقي في قلوب أطفالها شعلة التعلم حيّة.
“كنت أعلّم طلابي الحروف والكلمات، واليوم أعلّم أطفالي الصبر والكرامة.” — هكذا بدأت ميران حديثها لإذاعة "راية" وهي تحاول أن تُخفي ارتعاش صوتها وسط صخب الخيام من حولها.
من مدرسة إلى خيمة
تعيش ميران اليوم مع أربعة عشر فرداً من أسرتها في خيمة واحدة، بعد أن دُمّر منزلهم في الحرب ونزحوا من وسط القطاع إلى الجنوب، ثم عادوا ليستقروا في دير البلح.
زوجها استُشهد خلال القصف، لتصبح المعيلة الوحيدة لأسرتها، دون عمل أو راتب أو أي مورد ثابت. تقول بحرقة: “كل ما أريده ليس المساعدة، بل فرصة عمل... أريد أن أعيش بكرامة، وأوفّر لأطفالي حقهم في التعليم".
مدارس تحوّلت إلى تجارة
ورغم توقف القصف، لم تنتهِ المعاناة. فمدارس غزة لم تعد كما كانت؛ معظمها دُمّر أو تحوّل إلى مراكز إيواء، والمبادرات التعليمية باتت مشاريع خاصة تفرض رسوماً شهرية تصل إلى 100 شيكل للطالب الواحد، إضافة إلى تكاليف القرطاسية التي تضاعفت أسعارها.
توضح ميران: “كنت أُدرّس في مدرسة مجانية، واليوم عليّ أن أدفع 500 شيكل شهرياً لتعليم أطفالي الخمسة. حتى الدفتر أصبح ثمنه ثمانية شواكل، والقلم بشيكلين".
هذا العبء المالي جعل آلاف الأسر في غزة عاجزة عن إعادة أطفالها إلى مقاعد الدراسة، ليصبح التعليم — الذي كان يوماً مصدر فخر لأهل القطاع — حلماً باهظ الثمن.
عامان من الانقطاع
منذ أكثر من عامين، حُرم أطفال غزة من التعليم بفعل الحرب والنزوح المتكرر.
تقول ميران بأسى: “أطفالي نسوا شكل الصف والمعلم والكتاب. بعضهم بدأ يفقد الرغبة في الدراسة، لكني أقاتل كي لا أفقدهم الأمل".
تُدرّس ميران أبناءها داخل الخيمة بوسائل بسيطة: قصاصات ورق، سبورة صغيرة، وبضع أقلام تجمعها من المساعدات.
لكنها تؤكد أن البيئة التعليمية غائبة تماماً، فلا مناهج، ولا مقاعد، ولا مدارس حقيقية يمكن العودة إليها.
التعليم... كرامة لا ترف
في قطاعٍ يعيش تحت الحصار والدمار، يصبح التعليم أكثر من مجرد حق — إنه وسيلة للبقاء الإنساني.
تقول ميران: “أريد أن أعلّم أطفالي لأن التعليم هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن للاحتلال أن يقصفه أو يصادره".
وتوجّه نداءً مؤثراً: “ساعدونا في إعادة فتح المدارس، ليس لنا وحدنا، بل لكل طفل فلسطيني يحق له أن يحلم بمستقبلٍ لا يبدأ وينتهي عند خيمة".
ميران... وجه غزة الصامد
قصة المعلمة ميران ليست استثناءً، بل هي مرآة لآلاف الأمهات في غزة اللواتي يحملن أحلام أطفالهن على أكتافٍ مثقلة بالخسارة.
فبين خيمةٍ وأخرى، تُولد دروس جديدة في الإرادة، وتُكتب حكايات عن نساءٍ يعيدن الحياة من تحت الركام.
ورغم القهر والخذلان، تبقى كلمات ميران الأخيرة تلخّص جوهر الحكاية: “قد نعيش في خيمة، لكن عقول أطفالنا لن تبقى محاصرة... التعليم هو طريقنا الوحيد إلى النور".

