يوم المياه العربي 2016.. غزة على حافة الهاوية
رام الله-رايــة:
في خضم ما تواجهه المنطقة العربية اليوم من قضايا سياسية انعكست في مجملها إلى كوارث إنسانية صعبة باتت تؤرق المجتمع الدولي بأسره، وقطاع غزة كان وما زال إحدى مناطق الصراع التي بحاجة إلى تكثيف الجهود على كافة الصعد المحلية والعربية والعالمية وخصوصاً في ظل الحاجة الماسة إلى إعادة اعمار غزة.
إلا أننا نجتمع اليوم لطرح قضية هامة، يتوقف عليها مستقبل الحياة في غزة ألا وهي توفير المياه الصالحة للشرب... نجتمع اليوم لنوضح للعالم أجمع الخطر الحقيقي الذي بات يهدد أهلنا في القطاع جراء ممارسات الاحتلال وسيطرته على مواردنا المائية، وما أنتجه العدوان الغاشم على القطاع من تفاقم لحجم القضية من جهة، وكيف أصبحنا بحاجة ماسة اليوم إلى وضع الآليات التي تمكنا من المحافظة على الموجود منها وإيقاف تلوثها... وما هي الحلول الممكنة لايجاد مصادر بديلة تضمن توفر المياه للأجيال المقبلة من جهة أخرى.
وحيث أننا في دولة فلسطين قضيتنا لها طابع مختلف عن الدول الأخرى، وأكثر خصوصية فنحن لا تزال جهودنا الحثيثة منصبة للتخلص من الاحتلال وسيطرته على مختلف مكونات الحياة والأرض، ولا تزال قضية حقوق المياه عالقة، ولا تزال إجراءات الاتفاقية المرحلية التي وضعت لتنظيم العلاقة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني خلال الفترة الانتقالية التي كان من المفترض ألا تتجاوز خمسة أعوام، والتي من المفترض أنها انتهت في العام 1999، ولكنها للأسف بقيت مستمرة كما هي، وما زالت تتحكم هذه الاتفاقية وتحديدا البند 40 المتعلق في المياه والصرف الصحي بالقطاع المائي وبالتالي بمختلف ارتباطاته الحياتية من صحة وبيئة وزراعة واقتصاد وسياحة.
وأمام هذه الحقيقة فإن الأرقام الأولية لواقع المياه في غزة تبرز بما لا يمكن إغفاله حجم المشكلة، وتوضح أن التحرك السريع تجاه هذه القضية بات فرضاً وليس خياراً لا يمكن أمامه انتظار أي اتفاقيات أو مفاوضات، حتى لا نقف أمام كارثة إنسانية جديدة تهدد إمكانية استمرار الحياة في غزة. أن 98% من إمدادات القطاع من المياه الجوفية تواجه استخراجاً مفرطاً يصل إلى 200 مليون م3 وهو ما يتجاوز كمية التغذية السنوية للخزان بأربعة أضعاف، وإذا استمرت معدلات الاستخراج الحالية من الخزان الجوفي دون إيجاد حلول، فإنه سيصبح غير قابل للاستخدام قريباً وسيصبح إعادته مستحيلة بحلول عام 2020، ذلك إلى جانب أن 96% من مصادر المياه في غزة ملوثة وفق معايير منظمة الصحة العالمية مما يعرض حياة أهلنا في القطاع إلى مخاطر صحية وبيئية.
لقد ألقت الحرب الأخيرة على غزة خلال صيف 2014 بظلالها على قطاع المياه، الذي تعرض إلى خسائر جسيمة قدرت بما يزيد عن 34 مليون دولار كخسائر مباشرة، و 10 مليون دولار شهرياً كخسائر غير مباشرة (تكاليف اضافية)؟
وبعد إقرار قانون المياه الفلسطيني في شهر يونيو/حزيران2014 ، الذي يهدف إلى إعادة تشكيل وتنظيم وإصلاح قطاع المياه في فلسطين، باشرت على ضوئه سلطة المياه الفلسطينية بوضع خطة إستراتيجية لتلبية الاحتياجات المتزايدة للمياه، وحماية الخزان الجوفي، واعتماد حلول مستدامة لأزمة المياه في غزة من خلال برنامج يتضمن إقامة محطة تحليه مركزية، ٣ محطات تحليه قصيرة المدى محدودة الكمية، ٣ محطات معالجة صرف صحي مركزية، إضافة إلى تنفيذ برامج واعدة لاستخدام المياه المعالجة في الري والزراعة وتحسين إدارة المياه، غير أن تنفيذ هذا البرنامج يواجه عدة صعوبات أهمها الاحتلال الإسرائيلي والحصار المفروض على قطاع غزة والذي يمنع إيصال المواد اللازمة لتنفيذ المشاريع، إضافة إلى الموارد المالية اللازمة لتنفيذها، ومحدودية موارد الطاقة اللازمة لتشغيل هذه المشاريع، أمور مجتمعة أدت إلى تدهور الأوضاع وتبعثر الجهود المبذولة.
وأمام كل ذلك فإننا اليوم مطالبين بالعمل الفوري لتحقيق أهداف رئيسية أولها توفير مياه صالحة للشرب لأكثر من 2 مليون نسبة في غزة مع تزايد أعداد السكان مستقبلاً، وإيجاد حلول مستدامة لوقف التلوث الحاصل في مصادر المياه، إضافة إلى استخدام المصادر البديلة مثل مياه الأمطار وتحليه مياه البحر، وإعادة معالجة مياه الصرف الصحي.
حتى نساهم في إنقاذ غزة لا بد لنا من البدء الفوري والعاجل بتنفيذ المشروع الاستراتيجي والحيوي الهام والذي نحن الان نقف مكان تنفيذه وهو مشروع محطة التحلية الذي يحتاج دعم جميع الدول المانحة، هذا المشروع يتضمن:
• إنشاء محطة تحلية مياه البحر المركزية: حسب الدراسة الحديثة فإن التكاليف التقديرية لإنشاء هذه المحطة تبلغ حوالي 230 مليون دولار وبطاقة 55 مليون متر مكعب سنوياً كمرحلة أولى، وجاري العمل المكثف مع المانحين (بنك التنمية الإسلامي، البنك الدولي، الاتحاد الأوروبي وآخرين) لتوفير هذا المبلغ، وهناك ردود إيجابية بهذا الخصوص،
• إنشاء خط ناقل قطري: تقدر تكلفه الخط الناقل بطول 42 كم ومرفقاته (خزانات ومحطات ضخ) حوالي 140 مليون دولار حصلت حكومة الوفاق على 60 مليون من دولة الكويت وتتفاوض على توفير المبلغ الباقي مع الجهات المانحة.
• تحسين كفاءة الشبكات ورفع كفاءة التحصيل:هذا المشروع سيؤدي إلى رفع وتحسين كفاءة الشبكة وتقليل الفاقد وتحسين الشبكات الداخلية بتكلفة 35 مليون دولار مما سيقلل من التكلفة التشغيلية ورفع عوائد الجباية.
• تشغيل وصيانة المحطة لمدة خمس سنوات بقيمة 20 مليون دولار: سيتم توفير الدعم الفني والإداري من خلال العقود الاستشارية الدولية لضمان حسن تنفيذ وتشغيل المحطة.
الطاقة الكهربائية:
ولأجل ضمان تشغيل محطة التحلية في ظل وجود عجز كبير جداً في الكهرباء يتطلب ذلك مشروع توفير الطاقة بقدرة 25 ميجاوات للمرحلة الأولى وبتكلفة حوالي 30 مليون دولار. حيث تم بحث الوسائل التي من الممكن ان نعتمد فيها على توفر الطاقة فالحل الاساسي ان يكون هناك خط كهرباء واصل من شبكة الكهرباء للمحطة، إما من خلال تامين كميات كهرباء اضافية من اسرائيل، او من محطة توليد الكهرباء والتي ستتم توسعتها من خلال مشروع توريد الغاز الى غزة.
اما بدائل الطاقة اللازمة لتشغيل محطة الطاقة المركزية والتي تم ادراجها فهي اما من خلال محطة لمولدات تعمل على الديزيل والغاز موجودة في محطة التحلية، او توفير جزء بسيط من الطاقة من خلال الخلايا الشمسية المركبة على اسطح المباني والتس ستولد طاقة بكمية 2 ونص ميغا واط كحد اقصى، والاخير مشروع خلايا الشمس على مساحة 100 دونم خارج الموقع كحد اقصى 12-13 ميغا واط.
عند تنفيذ جميع هذه المشاريع الطموحة التي تسعى سلطة المياه الى تنفيذها فإن قطاع غزة سيصل الى حل أزمة المياه المُستعصية وسيتم توفير مياه صالحة للشرب للمواطنين وكذلك توفير مصدر جديد للريّ الزراعي مما سيساعد في التخفيف من السحب الجائر من الخزان.
عام اخر ... والمياه لا زالت مشكلة
نحن في العام 2016 ولا نزال محرومون من مياهنا، ممنوعين من حفر الابار وبناء السدود وتطوير البنية التحتية حسب الرؤية الفلسطينية لان الاحتلال لا يزال يسيطر على مختلف مصادر المياه السطحية وتحديدا حوض نهر الاردن والمياه الجوفية حيث لايسمح لنا بحفر الابار .
وعليه فنحن ومن أرض غزة وتحديداً من موقع المشروع الإنساني الاستراتيجي والذي بات ضرورة قصوى، سنوجه نداءنا إلى كافة الدول والجهات المانحة للوفاء بالتزاماتها المادية ودعمنا، من أجل البدء بإنقاذ غزة وذلك بالتنفيذ الفعلي للمشروع والمساهمة في إنقاذ مستقبل أهلنا في القطاع من الخطر المحدق بهم بسبب قضية المياه.
ان دولة فلسطين تضع نصب عينيها ضرورة انهاء الاحتلال وتضع على سلم اولوياتها حقها في استخدام مياهها من مصادرها المختلفة بما فيها الاحواض المشتركة وعلى راسها حوض نهر الاردن وبما يضمن التعاون السليم وفق القانون الدولي وضمن معايير الاستخدام العادل.

