الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:32 AM
الظهر 11:23 AM
العصر 2:29 PM
المغرب 4:57 PM
العشاء 6:13 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

خرافة يوشع التي يتبناها بيبي لن تأتي بالمسيح

الكاتب: د. محمد عودة

النصوص التلمودية والكتابات الدينية، رغم أهميتها الروحية، هي في جوهرها إملاءات بشرية وليست إرادة إلهية صرفه، لذلك، في هذا المقال سنتناول بعض النصوص من التاناخ، مع ربطها بما يجري على الأرض، في محاولة لفهم مصير الكون، وبشكل أدق مصير منطقة الصراع الأشد المسماة "الشرق الأوسط" حسب الوصف الغربي، والتي بالنسبة لي ليست شرقًا أوسطًا فحسب، بل مركز الكون. سيركز المقال على سفر يشوع.

سفر يشوع يقدم سردًا تأسيسيًا لقبيلة بني إسرائيل بعد وفاة موسى، مليئًا بالمعارك والحروب التي يُصوّرها النص على أنها تنفيذ لإرادة الله لامتلاك الأرض الموعودة. عبور نهر الأردن، سقوط أريحا، وحروب الكنعانيين ليست مجرد أحداث تاريخية، بل نموذج لكيفية تبرير العنف باسم الإله. استنادًا إلى الدراسات التاريخية والأثرية، يُقدر أن هذه الأحداث وقعت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد تقريبًا، أي حوالي 1250–1200 ق.م.، بعد خروج بني إسرائيل من مصر وفق الرواية التوراتية التقليدية.

النص نفسه يضع الأرض والوفاء بالعهد في مقابل الشعوب الأخرى، التي يُصوَّر أنها عقبة يجب إزالتها، ومن أبرزها الكنعانيون، الأموريون، الحثيون، الفريزيون، واليبوسيون، إضافة إلى ملوك المدن. في سقوط أريحا (حوالي 1250 ق.م.) يورد السفر: «فحَرَمَ الرَّبُّ أريحا وكل ما فيها، رجلاً وامرأة وطفلاً وشيوخاً، بالسيف… ولم يبق أحد حيًا فيها» (يشوع 6:21). وفي حرب عاي (حوالي 1240 ق.م.): «وَقَتَلَهُم يوشع بالسيف، وأهلك كل المدينة رجلاً وامرأة وطفلاً وشيوخاً، ولم يترك أحدًا حيًا… كما أمر الرب موسى» (يشوع 8:25-26).

كما يسرد السفر قائمة الملوك والشعوب: «وهؤلاء هم الملوك الذين حاربهم يشوع وأخذ أرضهم: الملك الملكي من أريحا، الملك الملكي من عاي، ملك المدن الأمورية، ملك الحثيين، ملك الفريزيين، ملك اليبوسيين…» (يشوع 12:8-9، ملخّصًا)، ويؤكد على الطاعة المطلقة: «احذر أن تصنع عهدًا مع سكان الأرض، ولا تترك لهم نجاة، بل احرِمهم كما أمرك الرب» (يشوع 23:12-13). هذه النصوص توضّح أن الحروب في السفر ليست مجرد نزاعات عسكرية، بل أوامر إلهية بالإبادة، وهو ما جعل البعض يصف السفر بأنه دموي واستيطاني في جوهره.

مع مرور الزمن أخذت هذه النصوص أبعادًا رمزية وأدبية، حيث فسرها بعض التقليديين كتحذير أخلاقي وروحي أكثر من كونها وصفًا حرفيًا للحرب. اعتبر البعض يشوع رمزًا للمخلص، والأرض الموعودة تمثل النفس البشرية، بينما الأعداء هم الخطايا التي يجب اجتثاثها. لكن مع تطور الفكر السياسي، خاصة في القرنين التاسع عشر والعشرين، بدأت بعض الحركات الصهيونية قراءة يشوع حرفيًا كـ "نموذج إلهي" لشرعنة احتلال الأرض، متجاهلين الطبيعة الإنسانية للشعوب المذكورة في النص، لتصبح هذه القصص القديمة أداة لتبرير السيطرة على الأرض ومحو السكان الأصليين.

اليوم، يمكن أن نرى استمرار هذه القراءة في بعض التيارات الدينية والإنجيلية الصهيونية، التي تعتبر صراعات إسرائيل مع الفلسطينيين امتدادًا لنموذج يشوع، حيث يُصوَّر كل معارض كجزء من العقبات التي يجب إزالتها لتحقيق "الحق الإلهي". هنا تتقاطع الخرافة مع الحقيقة: الخرافة هي الاعتقاد بأن كل نزاع هو جزء من خطة نبوية، والحقيقة هي أن الأرض محتلة بسبب السياسات والقوة العسكرية، لا تنفيذ نصوص دينية حرفيًا.

الحروب الصغيرة التي نشهدها اليوم تبدو كأنها مقدمات لحرب أكبر، إذ يتجلى التصعيد من خلال العدوان الإحلالي المتواصل، والاستيطان، والاضطهاد، والتمييز، وحرمان الفلسطينيين من أبسط حقوقهم، في مشهد يعيد إنتاج منطق يشوع في الإبادة، ولكن بأدوات سياسية وعسكرية معاصرة. ومع عجز المجتمع الدولي عن فرض العدالة، تتحول هذه الوقائع إلى تطبيق مادي لتاريخٍ قديم، لا إلى نبوءة تُنفّذ حرفيًا. فالتاريخ يعيد نفسه ضمن منطق القوة والمصلحة، بينما تُستدعى النصوص الدينية لتغليف هذا العنف بطابعٍ قدسي، وكأنها إرادة إلهية، وهو ما يشكّل الخطر الأكبر حين يُختزل الدين في وظيفة تبرير القتل بدلاً من ردعه.

هذا النمط ليس محصورًا في الماضي؛ استغلال النصوص القديمة لتبرير السلطة والسيطرة يظهر في العديد من الخطابات والسياسات الحديثة. بعض الوثائق والخطابات الصهيونية صرّحت ضمنيًا أو صراحة أن العودة إلى الأرض الموعودة تمهّد لتحقيق نبوءات دينية، بينما الواقع السياسي كان دائمًا هو الدافع الأساسي. هنا يظهر الفرق بين النصوص، كحقائق تاريخية وروحية، وبين استغلالها كخرافة لتبرير أعمال بشرية، سواء كانت غزوًا أو تهجيرًا أو حربًا.

الربط بين يشوع والواقع السياسي الحالي يتضح بشكل أكبر عند قراءة كتاب نتنياهو "مكان بين الأمم". الكتاب يعرض تاريخ الشعب اليهودي كأمة محاطة بالأعداء ويبرر الحاجة إلى أرض مستقرة وآمنة، وهو يشبه في جوهره سرد يشوع عن الأرض الموعودة وضرورة إزالة العقبات. الفرق أن نتنياهو يقدم السرد بطريقة سياسية مدروسة، يركز على الأمن، الاستقرار، والتهديدات المحيطة بإسرائيل، مع إبراز حق إسرائيل في الأرض. النصوص القديمة تُستغل هنا بطريقة رمزية ومسيسة ومنمقة، بحيث تُعطي وزنًا دينيًا للحق التاريخي للأرض، دون الإشارة المباشرة إلى الحروب أو الإبادة كما في يشوع، لكن التأثير الرمزي قائم ضمنيًا. الكتاب يظهر كيف يمكن تحويل درس يشوع إلى خطاب سياسي استراتيجي، مع الحفاظ على مظهر شرعي أو أخلاقي، أي أنه تطبيق نبوئي منمّق ومسيس لا تنفيذ حرفي للنصوص.

من هذه الزاوية، يوفر السفر درسًا مزدوجًا: يوضح كيف يمكن أن يُستغل الدين لتبرير الغزو والاقتلاع، وفي الوقت نفسه، كيف يمكن فهم هذه النصوص كتحذير من تبني العنف باسم القداسة. ما يجري اليوم في فلسطين يظهر هذا الدرس بشكل مباشر؛ فالتحليل النقدي للنصوص المقدسة والواقع المعاصر يكشف أن تكرار النزاعات لا ينبع من إرادة إلهية فعلية، بل من تفسير البشر للنصوص ومحاولتهم استخدام الدين لتغطية مصالح سياسية أو توسعية. قراءة هذا الواقع عبر النصوص التاريخية تساعد على التمييز بين ما هو خرافة وما هو حقيقة ملموسة، وتؤكد أن العنف باسم الدين هو دوامة متكررة يجب فهمها لتجنب الوقوع فيها مرة أخرى.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...