الإفراج عن البرغوثي
الكاتب: د. دلال صائب عريقات
تؤكد أستاذة الدبلوماسية وحل الصراعات في الجامعة العربية الأمريكية د. دلال عريقات أن تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن احتمال الإفراج عن الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي لا يمكن التعامل معه كمجرد تصريح عابر أو مناورة إعلامية، بل يجب قراءته في إطار سياسي واستراتيجي أوسع تتقاطع فيه الأبعاد السياسية والاقتصادية والإقليمية.
وتوضح عريقات أن ذكر البرغوثي في هذا التوقيت يشكّل اعترافًا ضمنيًا بوجود قيادة فلسطينية جامعة ومؤثرة، ويعكس إدراكًا أمريكيًا لحالة الفراغ القيادي في الساحة الفلسطينية، وسعي واشنطن للبحث عن شخصية يمكن أن تمثل إجماعًا وطنيًا وتملك شرعية شعبية حقيقية.
د. دلال عريقات: الإفراج عن البرغوثي قد يكون فرصة تاريخية للوحدة أو فخًا سياسيًا هدفه تطويع القيادة ضمن خطة لتثبيت الانقسام وتغيير طبيعة الصراع..
وتوضح عريقات أن هذا السيناريو ليس نظريًا، بل يأتي في سياق حراك دبلوماسي يقوده رونالد لاودر، رئيس الوكالة اليهودية والمقرّب من ترامب، الذي يمارس ضغوطًا في واشنطن وعدة عواصم عربية للترويج لفكرة أن الإفراج عن البرغوثي خطوة ضرورية لإظهار وجود قائد فلسطيني موحّد.
غير أن الخطورة – بحسب عريقات – تكمن في النوايا الكامنة خلف هذه الطروحات، إذ إن الحديث الأمريكي عن البرغوثي يأتي متزامنًا مع مشروع اقتصادي متكامل لإعادة إعمار غزة يقوم على الاستثمار العقاري والتطوير البنيوي، وهو مشروع جاهز من حيث التصورات وينتظر فقط وجود قيادة فلسطينية قادرة على ضبط الداخل وتوفير بيئة استقرار أمني واقتصادي لتنفيذه.
وتشير عريقات إلى أن هذا المسار يحمل مخاطر سياسية عميقة، إذ يمكن أن يتحول الإفراج عن البرغوثي إلى أداة لترسيخ الفصل الإداري والسياسي بين غزة والضفة الغربية، ما يعني فعليًا تقويض حق تقرير المصير الفلسطيني وتحويل القضية من مشروع تحرر وطني إلى مشروع إدارة محلية واقتصاد مناطق، على حد وصفها.
وتبين عريقات أن هذه الجهود ترتبط برؤية أوسع تدرك أن إسرائيل، في شكلها الحالي، تجهز فعليًا على حل الدولتين وتكرّس واقع الدولة الواحدة، وهو ما يتعارض مع المصالح الصهيونية والوكالة اليهودية التي ترى أن الحفاظ على هوية الدولة اليهودية يتطلب الإبقاء على حل الدولتين.
وترى عريقات أن البرغوثي يشكّل نقطة توازن حرجة في المعادلة الفلسطينية، إذ يُعد الشخصية الوحيدة القادرة على جمع مختلف التيارات الفلسطينية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حول مشروع وطني جامع يعيد الثقة بالقيادة ويمنح الشرعية الشعبية زخماً جديدًا.
وبحسب عريقات، لذلك، فإن الإفراج عن البرغوثي قد يكون إما فرصة تاريخية لإحياء الوحدة الوطنية الفلسطينية، أو فخًا سياسيًا هدفه تطويع القيادة ضمن خطة اقتصادية–أمنية تهدف لتثبيت الانقسام وتغيير طبيعة الصراع.
وتؤكد عريقات أن إعادة الحديث عن شخصيات قيادية تاريخية في الضفة الغربية، بالتوازي مع التحركات السياسية لما بعد الحرب في غزة، يشير إلى إعادة ترتيب المشهد الداخلي الفلسطيني بما يتوافق مع رؤية دولية جديدة لتحديد "الشريك المقبول" في المرحلة المقبلة.

