الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:01 AM
الظهر 11:32 AM
العصر 2:17 PM
المغرب 4:42 PM
العشاء 6:02 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

لعنة شعوب امريكا اللاتينية ستبقى تطارد الولايات المتحدة الامريكية

في البداية لا بد من الاشارة الى ان التاريخ لن يبرئ الولايات المتحدة الامريكية من كل مآسي امريكا اللاتينية فمن يتأمل تاريخ أمريكا اللاتينية منذ بدايات القرن التاسع عشر يدرك سريعًا أنّ الانقلاب لم يكن حدثًا استثنائيًا، بل أصبح جزءًا من بنية الحكم، وآلية متكررة لحسم الصراع بين النخب، قبل أن تتحوّل القارة لاحقًا إلى مسرح نفوذ مباشر للولايات المتحدة التي وجدت في مبدأ مونرو ذريعة دائمة للتدخل في “الحديقة الخلفية”. منذ انقلاب لافايي في الأرجنتين سنة 1828، وخلع الإمبراطور في البرازيل عام 1830، مرورًا بهزات تشيلي المتلاحقة في 1851 و1891، ثم اضطرابات باراغواي بعد حربها الطويلة، أخذت المنطقة تتعوّد على اللغة العسكرية، قبل أن ينتقل الأمر إلى مرحلة جديدة تمامًا مع صعود القوة الأميركية في القرن العشرين.

لم يكن لانقلابات القرن التاسع عشر طابع خارجي واضح ومفضوح، بل كانت صراعات محلية بين طبقات سياسية متنافسة تغذي تنافسها اجهزة الدولة في امريكا الشمالية، حيث الادارات الامريكية المتعاقبة ترى في امريكا اللاتينية حديقتها الخلفية ودجاجتها التي تبيض ثروات ومعادن نادرة.

مع بداية ثلاثينات القرن الماضي بدأت الامور اكثر وضوحا وبدلأت التغييرات في شتى المجالات حيث شهدت الأرجنتين انقلاب 1930 بقيادة أوريبورو، والبرازيل في نفس العام وصول فارغاس بالقوة، ثم سلسلة هزات في بوليفيا وتشيلي، ومع أن هذه الأحداث التي بدا وكانها محلية في جوهرها الا ان بصمة الولايات المتحدة تجلت في ان هذه الاحداث فتحت الباب لدخول واشنطن بشكل مفضوح وتدريجيً إلى المعادلة، خصوصًا مع نهاية الحرب العالمية الثانية وبدء الحرب الباردة، حيث أصبح أي إصلاح اجتماعي أو توجه يساري يُقرأ فورًا على أنه “تهديد شيوعي”.

ولا يمكن الحديث عن تدخلات واشنطن في أمريكا اللاتينية دون الإشارة إلى غزو نيكاراغوا 1933، حيث تدخلت القوات الأميركية لإخماد احتجاجات مسلحة وإعادة ترتيب السلطة السياسية وضمان استمرار النفوذ الأميركي في الشؤون السياسية والاقتصادية للبلاد، وهو نموذج مبكر لما سيصبح لاحقًا نمطًا متكررًا من التدخلات الأميركية المباشرة وغير المباشرة في القارة.

جاء عام 1954 ليكون نقطة التحول الكبرى. أطاحت وكالة الاستخبارات الأميركية بالرئيس الغواتيمالي جاكوبو أربينز ليس بسبب عقيدته، بل بسبب مساسه بمصالح “يونايتد فروت”. كان ذلك الانقلاب المدرسة التي بُنيت عليها تدخلات لاحقة، فدخلت واشنطن بقوة إلى ملفات بيرو والدومينيكان وNicaragua، قبل أن تنتقل إلى واحدة من أهم المحطات: البرازيل 1964. هنا تحركت البحرية الأميركية لدعم الضباط الذين أطاحوا بغولارت، وتحوّل البلد إلى ديكتاتورية استمرت أكثر من عقدين.

اما الانقلاب في تشيلي 1973 لم يكن مجرد انقلاب، كان صدمة عالمية، حيث تمت محاصرة حكومة سلفادور أليندي اقتصاديًا وإعلاميًا، ثم جرى دعم الجنرال أوغستو بينوشيه ليصبح رمزًا من رموز القمع في القرن العشرين، وفي هذه المرحلة ظهر ما عُرف بعملية “كوندور”، وهي تنسيق إقليمي بين أجهزة أمن الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وبوليفيا وأوروغواي، تنسيقٌ مدعوم أميركيًا لضرب كل ما هو يساري، سواء كان سياسيين أو نقابيين أو حتى طلابًا. وبفضل هذا الغطاء، شهدت الأرجنتين انقلاب 1976 الذي دشّن “الحرب القذرة”، بينما غرقت السلفادور وبوليفيا وأوروغواي في نماذج حكم لا تقل قسوة.

ولم يقتصر الدور الأميركي على الدعم غير المباشر، بل تعداه إلى التدخل العسكري الكامل. في غرينادا عام 1983، دخلت القوات الأميركية وأسقطت الحكومة اليسارية خلال أيام، وفي بنما عام 1989 أطاحت بمانويل نورييغا عبر غزو مباشر ترك مئات الضحايا. كما شهدت بنما من قبل انقلاب 1968 الذي لم تعترض واشنطن عليه، طالما أنّ المصالح المتعلقة بالقناة بقيت محفوظة.

ومع نهاية الحرب الباردة لم تنتهِ الانقلابات، لكنها غيّرت شكلها. لم يعد العسكري يقتحم القصر الرئاسي دائمًا، بل أصبح الانقلاب يمر عبر البرلمان أو القضاء أو الشارع أو الإعلام. في فنزويلا حاول تشافيز نفسه الوصول إلى السلطة عبر انقلاب فاشل عام 1992، ثم واجه بعد توليه الحكم محاولة انقلاب قصيرة في 2002 دعمتها واشنطن سياسيًا بشكل واضح.

في هندوراس سنة 2009 تمّ خلع الرئيس مانويل زلايا، وبعد أن أدانت معظم دول العالم الانقلاب، حافظت الولايات المتحدة على علاقة طبيعية مع الحكومة الجديدة. اما في باراغواي 2012 فقد جرى استخدام البرلمان كأداة لإسقاط الرئيس لوغو خلال ساعات لا تكفي حتى لمناقشة ملف إداري بسيط، بينما واجه الرئيس البوليفي إيفو موراليس عام 2019 ضغوطًا أمنية أدت إلى استقالته، في حدث شهد انقسامًا عالميًا حول وصفه لكنه بقي قريبًا جدًا من نمط “الانقلاب الناعم” المدعوم سياسيًا من الولايات المتحدة.

فنزويلا بعد 2014 لم تعد هدفًا لانقلاب عسكري مباشر بقدر ما أصبحت ساحة لـ“الحصار الاقتصادي”، إذ فرضت الولايات المتحدة عقوبات قاسية على النفط، وموّلت المعارضة، واعترفت بمنافس سياسي هو خوان غوايدو في محاولة لفرض واقع سياسي جديد. وفي كولومبيا لم يحدث انقلاب تقليدي، لكن النفوذ الأميركي بقي حاضرًا بقوة عبر برامج الأمن ومكافحة التمرد وتمويل الحكومات المحافظة، في مسعى دائم لمنع تشكّل محور يساري مشابه لذلك الذي أسسه تشافيز وموراليس.

وعند النظر إلى الحقبة الممتدة من 1828 إلى 2019، يمكننا القول إن تاريخ أمريكا اللاتينية هو تاريخ صراع بين إرادة الشعوب في بناء نموذج سياسي مستقل، وبين محاولات السيطرة، سواء من خلال اعوان في الداخل مثل العسكر والنخب، أو من الخارج عبر واشنطن التي تغيّر أدواتها بين الانقلاب العسكري، والدعم الاستخباراتي، والتدخل الاقتصادي، وصولًا إلى الانقلابات البرلمانية الناعمة. ومع أن القارة اليوم أكثر ديمقراطية مقارنة بما كانت عليه في السبعينيات، إلا أن ظلّ التدخل الخارجي لم يغادر المشهد، وإن تغيّرت وسائله وشعاراته.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...