مدريد: الملتقى الدولي لنصرة غزة والأسرى يوصي بإرسال لجنة تقصي حقائق دولية مستقلة فورا
أكد أن تحقيق العدالة لن يتم دون وصول مستقل للخبراء ومحاسبة المسؤولين عن الإبادة والجرائم ضد الإنسانية
أوصى المشاركون في أعمال الملتقى الدولي لنصرة غزة والأسرى، الذي عُقد في العاصمة الإسبانية مدريد، بإرسال لجنة تقصي حقائق دولية مستقلة فورا، تملك صلاحيات الوصول الكامل إلى مواقع الانتهاكات الإسرائيلية والمستشفيات والمقابر ومرافق حفظ الجثامين، وتقديم تقرير شامل إلى مجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة.
وشهد المؤتمر مشاركة واسعة من شخصيات فلسطينية وأوروبية ومؤسسات حقوقية وإنسانية، من بينها سفارة دولة فلسطين لدى إسبانيا، ونادي الأسير الفلسطيني، والهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى، وجمعية سنابل العودة، وممثلو فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وأمناء سر أقاليم فتح الخارجية وعدد من المؤسسات الأوروبية العاملة في ميدان حقوق الإنسان.
وقد عُقدت أعمال الملتقى في قاعة مدرسة التدريب النقابي التابعة للاتحاد العام للعمال الإسبان، التي تحمل اسم المناضل العمالي "جوليان بيستيرو"، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة ثلاثين عامًا وتوفي في سجن "كرمونا" نتيجة الإهمال الطبي، تخليدًا لذكراه ونضاله من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية.
كما شدد المشاركون في المؤتمر في بيانهم الختامي، على ضرورة العمل على ضمان الوصول الإنساني الفوري للقوافل الطبية والغذائية والوقود والإمدادات، وفتح ممرات آمنة لإجلاء الجرحى والمصابين من قطاع غزة.
وأشاروا إلى أهمية تجميع الوثائق والأدلة الجنائية والطبية وحفظها وفق معايير السلسلة الجنائية (chain of custody) لاستخدامها في الملاحقات القضائية الدولية.
وطالبوا بفتح تحقيقات جنائية فورية في جرائم الإعدام الميداني والتعذيب واحتجاز الجثامين، وملاحقة المسؤولين المدنيين والعسكريين الإسرائيليين أمام المحاكم المختصة، وطالبوا بالضغط على الدول الأوروبية والأمم المتحدة لفرض تدابير تحفظية وعقوبات مؤقتة على الأفراد والكيانات المتورطة، إلى حين انتهاء التحقيقات المستقلة.
وأوصوا بتوفير دعم قانوني وطبي ونفسي للأسر المتضررة، وضمان وصول الخبراء في الطب الشرعي لتوثيق الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة وتحديد أسباب الوفاة.
ودعوا المجتمع الدولي إلى الضغط من أجل إعادة الجثامين إلى ذويها، وفتح تحقيقات في حالات احتجازها أو إخفائها، مع احترام المعايير الإنسانية في الدفن والمعاملة.
وفي توصياتهم الإستراتيجية واستمرارية العمل، شددوا على أهمية تدويل قضية الأسرى والقضية الإنسانية في غزة عبر مؤسسات دولية ومحاكم وطنية في الدول الأوروبية، باستخدام آليات الولاية القضائية العالمية.
وأشاروا إلى ضرورة تعزيز التعاون مع المنظمات الحقوقية الأوروبية والأممية لتوسيع حملات التوثيق والمناصرة، وضمان إيصال صوت الضحايا إلى الرأي العام العالمي.
كما طالب المشاركون في المؤتمر بإطلاق حملة إعلامية دولية موحدة بعنوان: "أسرى فلسطين: حقوق – عدالة – كرامة"، لتسليط الضوء على شهادات الضحايا وأسرهم.
كما دعوا إلى ضرورة تشكيل لجنة متابعة دولية من منظمات حقوق الإنسان واللجان القانونية والهيئات المشاركة في الملتقى لمتابعة تنفيذ التوصيات وتنسيق الجهود القانونية، وأكدوا أهمية استمرار دعم الفريق القانوني الدولي وتغذيته بالتقارير والشهادات والأدلة الميدانية بشكل دوري لضمان استمرارية الملاحقات القضائية.
واتفق المشاركون على عقد المؤتمر القادم في دولة السويد خلال شهر حزيران/يونيو 2027، والتوافق على استمرار عقده سنويًا لضمان بقاء قضية الأسرى والأسيرات حاضرة في المحافل الدولية.
وخلال جلسات الملتقى، قدّم المشاركون شهادات حية وتقارير ووثائق ميدانية تتعلق بأوضاع المدنيين والأسرى في قطاع غزة، حيث تبيّن بما لا يدع مجالًا للشك أن ما جرى ويجري هو جريمة إبادة جماعية ممنهجة تستهدف الشعب الفلسطيني بأسره، مدنيين وأسرى.
كما تم عرض شهادات مؤلمة من أسرى وأسرى محررين، من بينهم أسيرة محررة اعتُقلت سبع سنوات وعاشت عامين من حرب الإبادة، تحدّثت عن فظائع وجرائم ارتُكبت بحق الأسيرات من تعذيب جسدي ونفسي وتنكيل ممنهج وانتهاك لكرامتهنّ الإنسانية. كما أدلى عدد من الأسرى المحررين بشهادات حيّة عن عمليات إعدام ميداني نفذتها قوات الاحتلال بحق الأسرى والمعتقلين من مسافة صفر، بعد تقييدهم وتكبيل أيديهم، في مشهد يوثق حجم الجريمة المنظمة التي تُرتكب بحق الأسرى الفلسطينيين.
وأكدت شهادات متطابقة وتقارير ميدانية أن الاحتلال يحتجز مئات الجثامين داخل ثلاجات المستشفيات والمرافق الطبية، في ظروف تشكل انتهاكًا فاضحًا لحرمة الجثامين وكرامة الضحايا، وأن معظم هذه الجثامين مشوّهة وتحمل آثار إطلاق نار مباشر من مسافات قريبة، في أدلة واضحة على تنفيذ عمليات إعدام خارج القانون.
وأدان الملتقى بصورة قاطعة استمرار حرب الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، بما في ذلك القصف العشوائي المدمر، والتجويع الممنهج، واستهداف البنية التحتية الحيوية التي تحرم المدنيين من الماء والغذاء والدواء.
وأكد وقوع عمليات قتل واسعة وإعدامات ميدانية بحق الأسرى والمدنيين، بحسب شهادات ناجين ومحررين وفرق طبية، وهو ما يستوجب فتح تحقيقات جنائية دولية مستقلة.
كما أكد احتجاز الجثامين وانتهاك حرمتها داخل الثلاجات والمرافق الطبية، ومنع ذوي الضحايا من استلامها أو دفنها وفق الأعراف الإنسانية والدينية، وهو ما يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي الإنساني.
كما أشار الملتقى إلى ممارسات سلطات الاحتلال للتعذيب والإهمال الطبي المتعمد، والعقوبات الجماعية، واستهداف الأطفال والنساء والمرضى، في انتهاك واضح لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ووجّه المشاركون إدانة شاملة لهذه الجرائم، مؤكدين أن الشهادات والوثائق التي عُرضت تُبرز ضرورة التحرك الفوري على المستويين القانوني والإنساني، وأن توثيق الانتهاكات وحماية الأدلة شرط أساسي لتحقيق العدالة وملاحقة المسؤولين أمام المحاكم الوطنية والدولية.
وأكد المشاركون أن تحقيق العدالة لن يتم دون وصول مستقل للخبراء والفرق الطبية والقانونية، ودون محاسبة المجرمين المسؤولين عن الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وجدد الملتقى تحيته لأسرى الحرية وعائلات الشهداء في غزة، مؤكدًا العهد بمواصلة الكفاح القانوني والإنساني والإعلامي حتى يتحقق الإفراج عن الأسرى، وإعادة الجثامين إلى ذويها، ومحاسبة مرتكبي الجرائم، واستعادة كرامة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.

